س: سيدنا يعتقد البعض أن الإسلام دين عنف وذلك من خلال بعض أحكامه كإحراق اللائط أو رميه من أعلى جبل ونحو ذلك .. فكيف نرد عليهم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ج: حينما نحاول أن نجيب عن الإشكالية المذكورة ، فإننا تارةً نفترض المستشكل دينياً ، وأخرى نفترضه غير ديني ، ومن هنا فإننا نحتاج إلى إجابتين :
1 – إجابة المستشكل الديني .
وهي تبتني على بيان ثلاث مقدمات :
أ / المقدمة الأولى : أنَّ الحدود الشرعية – ومنها : إحراق اللائط – أحكام إلهية ، بمعنى أنها تشريع إلهي صادرٌ عن الله سبحانه وتعالى .
ب / المقدمة الثانية : أنَّ جميع الأديان السماوية متفقة على وجود عذاب في الآخرة ، وأنَّ هذا العذاب لا يكون إلا في نار الجحيم .
ج / المقدمة الثالثة : أنَّ العذاب الدنيوي مهما بلغَ مستواه فإنه لا يرتقي إلى مستوى العذاب الأخروي من حيث الشدة والقوة .
وعلى ضوء هذه المقدمات الثلاث يُقال : بما أنَّ الحدَّ الشرعي صادر عن الله تعالى ، فهو إذن عذاب إلهي دنيوي يجريه الله على يد عباده ، وبما أنه قد صحَّ عند الديني قبول العذاب الأخروي ، وهو الأقوى ، فإنه لا بدَّ بالضرورة أن يقبل العذاب الدنيوي ، وهو الأضعف .
2 – إجابة المستشكل اللاديني .
وبيانُها ببيان مقدمات ثلاث أيضاً :
أ – المقدمة الأولى : إنَّ ( إحراق اللائط ) ليس حدّاً تعيينياً ، وإنما هو حد تخييري ، بمعنى أنَّ المطلوب من الحاكم الشرعي هو قتل اللائط ، ولكنه مخيّر بين ضرب عنقه بالسيف ، أو إحراقه ، أو رميه من شاهق ، وسّر هذا التخيير هو تفويض الحاكم الشرعي ليختار الطريقة الأقوى للردع عن تكرر هذه الجريمة البشعة في المجتمع ؛ إذ ربَّ مجتمع يرتدع بمجرد ضرب عنق اللائط ، بينما المجتمع المعتاد على القتل قد لا يرتدع إلا بالإحراق .
ب – المقدمة الثانية : إنَّنا كدينيين نعتقد أنَّ جريمة اللواط كما تضر بالطهارة الاجتماعية ، كذلك تضر بسلامة المجتمع وحياته ، مستفيدين ذلك من قوله تعالى : ( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) ، والروايات في ذلك كثيرة جداً .
ج – المقدمة الثالثة : أنَّ قبح الأشياء على نحوين :
أ / النحو الأول : القبح الذاتي ، وهو الذي لا ينفك عن الأشياء القبيحة مطلقاً ، نظير قبح الظلم مثلاً ، فإنه قبيح في مختلف حالاته وظروفه .
ب / النحو الثاني : القبح العرضي ، وهو ما يمكن انفكاكه عن متعلقه في بعض الأحوال ، نظير ضرب اليتيم مثلاً ، فإنه مستقبح جداً ، ولكنَّ قبحه ينفك عنه فيما لو كان ضربه لأجل تأديبه .
وعلى ضوء هذه المقدمات نقول : إنَّ قبح ( إحراق الإنسان ) إنما هو قبح عرضي ، وليس قبحاً ذاتياً ، والمنبّه على ذلك هو : أنَّه يمكن أن نتصور إنساناً مريضاً بمرضٍ معدٍ ، وليس يمكن التخلص من آفة عدواه إلا بإحراقه ، وإلا فإنَّ مرضه سينتشر بين الناس ويتضررون بذلك ويهلكون ، فإنَّ العقل – في هذه الصورة – إن لم يستحسن إحراقه ، فلا أقلَّ أنه ليس يحكم بقبحه ، ولا يعتبر ذلك عنفاً .
ومثلُ ذلك : ما لو أقدمَ شخصٌ على قتل أشخاص آخرين بإحراقهم بالنار ، فإنَّ العقل في هذه الصورة أيضاً لا يحكم بقبح إحراق هذا الشخص بالنار عقوبةً له ، مما يعني أنَّ قبح إحراق الإنسان بالنار ليس قبحاً ذتياً لا ينفك عنه ، وإنما هو قبح عرضي .
وإذا كان الأمر كذلك ، فهذا يعني أنَّ إحراق اللائط لا يمكن الحكم بقبحه بطور مطلق ، وإذا رجعنا إلى ما ذكرناه في المقدمة الأولى من كون الحاكم الشرعي مخيراً في إنزال العقوبة باللائط بين الخيارات الثلاثة المتقدمة ، فهذا يعني أنَّ جريمة اللواط إذا كانت تهدد الطهر الاجتماعي ، بل تهدد حياة المجتمع كله والسلامة العامة ، كما كان في عهد نبي الله لوط ( عليه السلام ) ، ولم يمكن الردع عنها إلا بـ ( الإحراق ) ، فإنَّ للحاكم أن يختار هذه الخيار ، وحينئذ لا يكون ذلك مستقبحاً أو عنفاً ، بل هو نظير المريض بالمرض المعدي – الذي لا يمكن حماية المجتمع من مرضه إلا بإحراقه – فإنَّه ليس عنفاً ومحكوماً بالقبح ، كما قد اتضح .
والحمد لله رب العالمين
مواضيع ذات صلة: