العلامة الأعرجي جهاد اليراع وصلابة الولاء

تحميل المقال

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، أبد الآبدين

(1)

في سنة ألف وأربعمائة وأربعة عشر من الهجرة النبوية الشريفة، تشرفتُ بزيارة مرقد سيدةِ اللطف الإلهي، سليلة الأئمة، وكريمة أهل العصمة: السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام).

وهنالكَ زرتُ –في جُملةِ مَن زرتُ– سماحةَ آيةِ الله المعظم السيد رضا الصدر (طيب الله ثراه) فلما دخلتُ إلى مجلسه العامر –وكان سماحة السيد بعدُ لم يأتِ إلى المجلس– رأيتُ سيدًا عليه سيماء العلماء، يتكلم بلهجة عربية لا تشوبها عجمة، وبمجرد أن علم أنني من (القطيف) بدأ يتكلم عنها كلامَ من تشده بها روابطُ روحية عميقة، تبين من خلالها أنه على صلة قوية جدًا بشيخ القطيف الكبير، سماحة العلامة المقدس، والحجة المعظم، الشيخ فرج العمران (طيب الله تربته وأعلى درجته).

ومما يجدر ذكره هنا: أن سماحة السيد الصدر (قده) بعد أن دخلَ علينا واستقرَّ في مجلسه، وتشرفتُ بلثم أنامله، وعرَّفه ذلك السيدُ الجليل بأنني من أهل (القطيف) تلفّظ بكلمة أبهرتني كثيرًا جدًا، حينما قال: (القطيفُ عاصمة التشيع).

وبعدَ جلسة ليست بالطويلة، تشرفتُ مرةً أخرى بالسلام على السيد الصدر (قده) سلامَ المودع، وكذا على ذلك السيد العربي الذي كان يجلس إلى جانبه، واختلست الفرصة فسألته –وأنا خجل جدًا– عن اسمه الشريف، فأجابني بأنه (السيد محمد رضا الأعرجي).

(2)

وبعدها بأشهرٍ معدوداتٍ رجعتُ إلى (قم المقدسة) مرةً أخرى، لأتخذها مهجرًا علميًا، وكنتُ في دوامة شديدة جدًا من التفكير بحثًا عن المدرس الكفء والأستاذ القدير، ولا زلتُ أتذكر جيدًا بأنني كنتُ أسير بجانب الحرم المبارك لكريمة آل محمد (عليها السلام) –وأنا مشغول بالتفكير في كيفية السبيل إلى المُدَرِس الذي أطمح إليه– فتفضّلت عليَّ السيدة الكريمة بأن أثارت في نفسي صورة ذلك السيد العربي الذي رأيته في مجلس السيد الصدر (قده) وماهي إلا ثوان معدودات من انقداح صورته في ذهني حتى رأيته ماثلًا أمامي، فذُهلت جدًا لغريب الاتفاق، وأسرعتُ للسلام عليه، فصافحني مصافحة حارة جدًا، وطلبتُ منه حينها أن يتفضل بتدريسي، فأجابني إلى ذلك من غير تردد، وكأن القضية كانَ مخططًا لها منذ أمد بعيد، وكان ذلك الآن آن تطبيقها.

ولكن ذلك –كما أعتقد بيني وبين ربي– إنما هو بعض اللطف الخفي، الذي تفيضه كريمة آل محمد (عليها السلام) على كل من يتشرف بمجاورتها، حتى وإن أساء الجوار إليها.

(3)

ومنذُ ذلك الحين بدأت علاقتي مع سيدي الأستاذ، سماحة العلامة المقدس، الحجة الجليل، السيد محمد رضا الحسيني الحائري الأعرجي الفحام (عفا عنه الملك العلّام)، حيث شرعتُ معه في دراسة شرح اللمعة، فقرأت عنده شطرًا وافيًا منه، كما قرأتُ عنده قسمًا وافيًا أيضًا من مباحث ألفاظ الكفاية، وكذا أيضًا حضرتُ عنده كتاب القوانين من بدايته حتى أواخر مبحث العام والخاص، وكذا بحث القطع من الرسائل، وآخر ما قرأته على يديه الكريمتين أواخر أبحاث الخيارات وما يتبعها من مباحث الشروط والقبض والنقد والنسيئة وأحكام الخيار من كتاب المكاسب.

(4)

وقبلَ أن أتحدث عن شخصية السيد الأستاذ (طيب الله ثراه)، سوف أترك الحديث لسماحته (قده) ليسلط الضوء على بعض جزئيات حياته (قده) كما كتبَ لي ذلك بقلمه الشريف حينما ألححتُ عليه في طلب ذلك منه، وإليك نص ما كتبه بعد البسملة والحمد والصلاة على النبي وآله:

أما بعد: فقد طلب مني، بل أمرني، السيد السند، والزكي المعتمد، بدر سماء العلم، وضياء المعرفة، أن أكتب شيئًا من ترجمتي، فامتثلت أمره، وإن كنت أقل من الذرة وأحقر من النملة.

نسبي:

محمد رضا، ابن المرحوم السيد جعفر، ابن السيد رضا، ابن السيد أحمد، ابن السيد حسن، ابن السيد علي، ابن السيد أحمد، ابن السيد صادق الفحام النجفي المعروف، وكان أستاذ السيد بحر العلوم والشيخ جعفر كاشف الغطاء (قدس الله تعالى أسرارهم) إلى أن ينتهي إلى مولانا الإمام زين العابدين (عليه السلام).

ولادتي:

ولدتُ في كربلاء المقدسة، سنة 1368 هج، 23 ذي الحجة، يوم الأحد، كما وجدت ذلك بخط المرحوم والدي على ظهر كتاب (مخزن الأدوية).

وفي السنة السابعة من عمري دخلت مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) المؤسسة من قبل السيد ميرزا مهدي الشيرازي (قده) وغيره من العلماء، لتعلم القراءة والكتابة، ودخلت الحوزة العلمية، واشتغلت بقراءة المقدمات قبل أوان التكليف، فقرأت جامع المقدمات عند بعض السادة، والسيوطي عند المرحوم الشهيد الشيخ عبد الرضا الصافي مؤلف بلاغة الإمام الحسن (عليه السلام)، وقرأت الجزء الأول من اللمعة والشرائع والمعالم عند العالم الفاضل السيد محسن الكشميري المعروف بالجلالي (قده)، وقرأت القوانين ومختصر المعاني وقسمًا من الشرائع عند العلامة الشيخ مهدي الكابلي الحائري (قده)، وقرأت المجلد الثاني من اللمعة والرسائل والكفاية والمكاسب عند المرحوم العلامة الشيخ محمد حسين المازندراني، ومقدارًا من طهارة الشيخ، وقرأت طهارة الرياض عند بعض السادة (قده) في الحائر.

وحضرت بحث الخارج عند جماعة منهم السيد الروحاني (قده) في الأصول، وحضرت بحث السيد الكلبايكاني (قده) في خارج الفقه في الحج، والسيد الشريعتمداري (قده) خارج الفقه في الطهارة، وعند العلامة الفقيه المقدس الشيخ مرتضى الحائري (قده) في البيع، وكانت علاقتي به وثيقة جدًا، وهو كان معي في غاية الشفقة والمحبة، بحيث لم يكن يرضى بغيابي يومًا واحدًا عن مجلسه الشريف.

وحضرت خارج الطهارة عند الشيخ ميرزا جواد التبريزي (دام ظله) أيضًا، وعند غيرهم من الأعلام كالعلامة الميرزا هاشم الآملي (قده) وغيره.

مؤلفاتي:
  1. أحسن الجزاء في إقامة العزاء على سيد الشهداء. مجلدان.
  2. نجاة الأمة في إقامة العزاء على الحسين والأئمة.
  3. رسالة في بيان إجزاء الأغسال عن الوضوء.
  4. نتائج الفكر في بيان ولاية الأب على البكر.
  5. تنقيح الأدلة في بيان حكم الحاكم بعلمه.
  6. حواشي على إرشاد العباد إلى استحباب لبس السواد على الحسين والأئمة الأمجاد عليهم السلام.
  7. رسالة في حكم الجهر في أوليتي صلاة الظهر من يوم الجمعة.
  8. رسالة في حكم مفطرية الدخان للصوم.
  9. رسالة في حكم تعين الجلوس في نافلة الوتيرة.
  10. أفضل الأعمال الصلاة على النبي والآل (صلوات الله عليهم) كتاب كبير لم يؤلف مثله.

وكل هذه الكتب قد طبعت في قم المقدسة.

  1. خير الدارين في بر الوالدين. طبع في كربلاء المقدسة.
  2. النجم الزاهر في بيان نذر الناذر. طبع في النجف الأشرف.
  3. المقباس الجلي في فضل الصلاة على النبي (ص). طبع في طهران.
  4. نتائج العقول في شرح كفاية الأصول. ستة مجلدات كبار.
  5. دلائل الأحكام. في الفقه، خرج منه كتاب الاجتهاد والتقليد والصوم وبحث الأغسال والحج وهو ناقص.
  6. رسالة في نقل الجنائز إلى المشاهد المشرفة.
  7. أحسن الأثر في تراجم مجتهدي القرن الرابع عشر. أربعة مجلدات.

ولا زالت هذه المؤلفات الأربعة الأخيرة مخطوطة، تنتظر أن ترى النور.

مشائخي في الرواية:

أروي عن:

  1. العلامة السيد محمد مهدي الأصفهاني الكاظمي (قده) صاحب أحسن الوديعة.
  2. الشيخ آغا بزرك الطهراني (قده) صاحب الذريعة.
  3. العلامة الشيخ محمد رضا الأصفهاني الحائري (قده).
  4. الشيخ يوسف الخراساني (قده).
  5. السيد علي التبريزي (قده).
  6. الشيخ مجتبى اللنكراني (قده).
  7. المرحوم الشيخ فرج آل عمران القطيفي (قده) [1].
  8. الشيخ محمد سماكة من علماء الحلة (قده).
  9. الشيخ مرتضى الأردكاني (قده) صاحب حاشية المكاسب.
  10. الشيخ محمد الإمامي الخونساري (قده).

وغيرهم من الأعلام، وصرّح بعضهم باجتهادي، لكني بحمد الله لم أتصدَّ للفتوى فإنها أمر خطير جدًا.

هذا ما تيسّر لي كتابته على العجالة، وأسأل الله تعالى بحق وليه صاحب الأمر، أن يوفقني لطاعته ونشر فضائل محمد وآله، وبث مثالب أعدائهم، وخدمة الدين وترويج الشريعة المقدسة، وأن يعصمنا من الزلل في القول والعمل، ولا أرى نفسي إلا مقصرًا في خدمة أولياء النعم أئمة الهدى ومصابيح الدجى (صلوات الله عليهم)، وأستغفر الله من التسويف وصرف العمر فيما لا يرضيه تعالى ولا يرضي أولياءه المعصومين (عليهم السلام)[2].

المجازون منه بالرواية:

وقد أجاز (طيب الله ثراه) مجموعة من الأشخاص بالرواية عنه من خلال طرقه الكثيرة والمتعددة، وها أنا ذاكر من اطلعت عليه منهم:

  1. السيد محمد المجتهدي (دام توفيقه).
  2. كاتب هذه السطور.

(5)

وبعد أن تحدثنا في النقطة السالفة عن جزئيات حياته (قده) سوف نتحدث في هذه النقطة عن بعض ملامح الكمال وسمات الجمال في شخصيته، على ضوء معاشرتي الشخصية له (قده) لمدة ست سنوات تقريبًا، وسوف أعرضها من خلال محاور عدة:

1– المحور الأول: حب العلم.

وقد كان لسمة العلم عنده مؤشران:

الأول: عشقُ التدريس، حيث وجدته طوال فترة حضوري لديه مدرسًا جليلًا، وأستاذًا مربيًا، فلم يكن يتخلف عن التدريس يومًا، حتى في أحلك الظروف وأشدها، فسيان عنده برد الشتاء القارس ولهيب الصيف القائظ، وإذا لم يتمكن من تدريسي في المكان المتفق عليه كان يأتيني بنفسه ويدرسني في محل سكناي.

الثاني: ارتياد المجالس العلمية، فإنَّ الحوزات العلمية الشيعية تتميز –في جملة ما تتميز به– عن غيرها، بوجود جلسات أو مجالس علمية تُعقد –بشكل يومي أو أسبوعي– لأجل مذاكرة العلم وإثارة المسائل العلمية المهمة، وفيها يجتمع مجموعة من العلماء والفضلاء ليتداولوا ما استعصى على أحدهم من المسائل والبحوث، وكان من بين تلك المجالس –في حاضرة العلم الكبرى في زماننا (مدينة قم المقدسة)– مجلس سماحة آية الله الشيخ مرتضى الحائري (قده)، وكان سيدي الأستاذ (طيب الله تربته) شديد الصلة بهذا المجلس الشريف، بل يظهر أنه كان أحد أركانه، بحيث أن الشيخ الحائري (قده) لم يكن يرضى أن يتخلف السيد الأستاذ عن مجلسه ولو يومًا واحدًا، وكانت من ثمار هذا المجلس الشريف العديد من الرسائل العلمية المفيدة، التي حررت على إثر الإثارات المطروحة في ذلك المجلس، ومن جملتها رسالة فقهية لسماحة السيد الأستاذ (طيب الله ثراه) بعنوان: (تنقيح الأدلة في بيان حكم الحاكم بعلمه)، حيث كتبها سماحة الأستاذ –كما صرح بذلك في أولها [3]– بطلب الشيخ الحائري (قده) نتيجة إثارة تلك المسألة في ذلك المجلس، كما يظهر.

ولما توفيَ الشيخ الحائري (قده) استمرَّت حياة مجلسه بتصدي سماحة آية الله السيد رضا الصدر (قده)، واستمرَ سيدي الأستاذ (طابت نفسه الشريفة) في الحضور، وفي هذا المجلس الشريف تعرفتُ على سماحته، ولا زلتُ أتذكر بأنني لما تعرفتُ عليه فيه حمّلني سلامًا لسماحة العلامة الكبير الحجة الشيخ حسين العمران (دام تأييده)، فلما رجعتُ إلى القطيف وأبلغتُ سماحة الشيخ سلام سيدي الأستاذ، تعجبَ وسألني: أين التقيت به؟ فقلتُ له: في مجلس السيد الصدر (قده)، فزال تعجبه حينها، وقال: نعم، إن مثل هذا السيد لا تكاد تلتقي به إلا في المجالس العلمية.

2– المحور الثاني: حب التأليف.

وقد نشأ (طيب الله ثراه) على حب التأليف والمطالعة، فكتبَ وطبعَ منذ حداثة سنه (قده)، حيث إن رسالته الفقهية الشريفة (النجم الزاهر في بيان نذر الناذر) قد طبعها وهو في بداية العشرينات من عمره، لأننا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن ميلاده الميمون كان في نهاية سنة 1368هـ، وقد قدم هذه الرسالة لسماحة العلامة العمران (طيب الله مثواه) سنة 1389هـ، كما تحدث عن ذلك (قده) في كتابه الشريف (الأزهار الأرجية) حيث قال:

«وفي عصر اليوم المؤرخ –أي: يوم السبت الموافق لتأريخ30/ 6/ 1389هـ ق– زارنا العلامة السيد محمد رضا بن السيد جعفر الأعرجي، في محل إقامتنا، وقدم لي كتابه (النجم الزاهر في بيان نذر الناذر)، وأدخلَ علينا الأنس الكثير والابتهاج والسرور»[4].

فذلك يعني أنه ألف الرسالة المذكورة، وهو على مشارف العشرينات من عمره الشريف.

وقد كان (نضر الله مثواه) كثيرًا ما يحثني على التأليف، ويقول: «اغتنم قوة شبابك، فإنني عندما كنتُ بعمرك كنتُ أكتب في اليوم الواحد ما يقارب العشرين صفحة، بينما الآن لا أقوى على كتابة أكثر من ثلاث صفحات»، ولا زلتُ أتذكر عندما عرضتُ عليه كتابي حول سماحة العارف الكبير والفقيه الخبير والمفسر البصير سماحة آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري (أعلى الله درجته ورزقنا شفاعته) كيف هشَّ لذلك وابتهج به ابتهاجًا يقصر عنه وصفي، وهو الذي تفضل وأسماه: (نفحات الباري في حياة السيد السبزواري) وشجعني بقوة على طباعته.

وقد أنتج حبه للتأليف الكثير من المؤلفات المفيدة، التي طُبع بعضها، ولا زال البعض الآخر منها مخطوطًا، وإنَّ من أهمِّ مؤلفاته المطبوعة كتابه (أحسن الجزاء في إقامة العزاء على سيد الشهداء)، حيث بحثَ فيه بحثًا علميًا استدلاليًا ضافيًا حول جميع مظاهر الشعائر الحسينية المباركة، وأثبت أصالتها ومشروعيتها، كما إنَّ من أهمِّ مؤلفاته المخطوطة كتابه الأصولي: (نتائج العقول في شرح كفاية الأصول) الواقع في ستة مجلدات كبار، كما رأيتها لديه (قده)، وقد كان يسعى في أواخر حياته إلى طباعته، ولكن القضاء المبرم قد حال بينه وبين تحقيق أمنيته.

3– المحور الثالث: عمق الولاء.

وعند هذا المحور أجدني عاجزًا عن الحديث عن سماحته (قده)، فقد كان الرجلُ غارقًا في محبة أهل البيت (عليهم السلام) والبراءة من أعدائهم إلى أقصى درجة، بحيث أن أنفاسه المباركة كانت بوحدها كافية لإثارة مشاعر الولاء والعداء في نفس الإنسان، وهذا ما لمسته منه شخصيًا.

وإنَّ ما كتبه من المؤلفات –سيما كتبه الثلاثة المباركة: (أحسن الجزاء) و(نجاة الأمة) و(أفضل الأعمال)– وإن كان يشف عن عمق ولائه وتعلقه بأهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) وشدة عدائه وبغضه لأعدائهم وغاصبي حقوقهم، ولكن المعاشرة الشخصية معه تكشف لك عن العلاقة الوجدانية المعمقة بينه وبين أجداده المعصومين (عليهم السلام)، ولا ينبئك مثل خبير، فإنني عاشرته لمدة سنوات ست تقريبًا فوجدته عجبًا، إذ كان (طيب الله مثواه) يحتاج إلى شرب الماء كثيرًا، بحيث كان لا يستغني عن شربه حتى في أثناء الدرس، ولا زلتُ أتذكره (أعلى الله مقامه) كيف إنه بمجرد أن يضع قدح الماء على شفتيه، يتذكر الكبد الحرى لجده سيد الشهداء الحسين (عليه آلاف السلام والتحية) فتخنقه العبرة، وتنهمر دموعه الحارة الكثيرة على وجنتيه، بالشكل الذي يسيطر فيه على كل مشاعرك، فتشعر حينئذ بحالة من الانقلاب الروحي العجيب.

وكان كثيرًا ما يرشدني (جزاه الله عني خير الجزاء) إلى ضرورة توجيه الناس من خلال كلمات المعصومين (عليهم السلام)، حيث كان يعتقد بأن كلام المعصوم (عليه السلام) إذا نُقل بنصه فإنه ينفذ إلى أعماق القلوب، ويؤثر في سامعيه تأثيرًا إعجازيًا، وعلى ذلك كان يحمل الرواية الرضوية الشريفة: (فإنَّ الناس لو علموا محاسنَ كلامنا لاتبعونا)[5]، وقد جرَّبَ ذلك بنفسه في بعض رحلاته للتبليغ فلمس له أثرًا غايةً في العجب، وقد حدثني عن ذلك فقال: لم أحمل معي في تلك الرحلة إلا كتاب (تحف العقول عن آل الرسول) لابن شعبة الحراني، فكنتُ أقرأ منه نصوص أهل البيت (عليهم السلام) وكلماتهم، وأبيِّن مضامينها للناس، فوجدتُ لذلك تأثيرًا قويًا في نفوسهم، حتى إنهم كانوا يقولون: لم يسبق أن جاءنا من المبلغين من أثرت كلماته في نفوسنا بمثل ما أثرت كلماتك علينا.

وقد عملتُ بوصيته (أعلى الله في درجته) منذ أوصاني –ولا زلتُ– فكان الأمر كما قال (قده).

4– المحور الرابع: شدة التواضع.

وهذا من المحاور الشامخة في شخصيته (قده)، فإنَّه رغم ما كان عليه من المؤهلات، إلا أنه قد نأى بنفسه الشريفة عن كل ما يوجب الزهو والاستعلاء، فكان قد خفض جناحه حتى لأمثالي من أصاغر الطلبة ومبتدئيهم، ولم يكن يتعامل معنا من موقع كونه أستاذًا وموقعنا كتلامذة، بل كان يتعامل معنا تعامل المربّي الذي همه أن يروّض نفوسنا ويهذّب أخلاقنا.

وهو بذلك كان يجبرني على تعظيمه وإجلاله، فأنا الطالب الصغير عنده، ولكنه كان يأبى إلا أن يقدم لي حذائي عند خروجي من درسه كل يوم، وأنا التلميذ المفتقر إلى علمه وإرشاده ودعائه، ولكنه كان يطلب مني بعض الأحيان –إذا ألمَّ به ألمُ أُذْنهِ الذي كان يباغته بين الحين والآخر- أن أضع كفي الملوثة على رأسه الشريف لأمسح عليه وأدعو له، ثم ما أسرع أن يغافلني ويتناول كفي الملوثة بأدران المعاصي ويقبّلها، فكنتُ أبكي في داخل نفسي لما يصنعه معي، وكلما توسلتُ إليه أن لا يصنع معي ذلك، كان لا يلتفت لتوسلاتي، إصرارًا منه على تربيتي وتهذيب نفسي بهذا الأسلوب، وكأنه كان يجد ذلك من وظائفه اللازمة تجاه تلامذته والمستفيدين منه، فلم يكن يرى وجهًا لحصر العلاقة بين الأستاذ وتلميذه في العلاقة العلمية، بل كان (طيب الله تربته وأعلى درجته) يرى أنَّ العلاقة يجب أن تكون أسمى وأعلى من ذلك، بأن تكون علاقة تربية للسلوك وترويض للنفس وتهذيب للأخلاق.

ومن جملة صور تواضعه التي لا زالت تحتفظ بها ذاكرتي: أتذكر أنه عندما كنت أحضر على يديه الكريمتين مباحث الألفاظ من الكفاية أو القوانين، قدم لي رسالته الفقهية (نتائج الفكر في بيان ولاية الأب على البكر) وطلب مني أن أُبديَ ملاحظاتي عليها، فأخجلني بطلبه للغاية، إذ هو الأستاذ وأنا أحقر طلابه، فكيف يطلب مني أن أُبديَ ملاحظاتي على رسالة فقهية استدلالية؟! ولكنها صبغة التواضع الإلهية التي كان مصبوغًا بها من ناحية، واهتمامه بتربية طلابه وصقلهم من ناحية أخرى.

فما كان مني إزاء ذلك إلا أن كتبتُ مقطوعة شعرية، أرّختُ فيها عام تأليف الكتاب، وقدّمتها هدية متواضعة بين يديه، وإليكها:

 (الحروفُ الذَهَبية)

يا روعةَ الإبداعِ والسحرِ
في أحرفٍ صيغتْ من التبرِ
قدْ أبدعتها ريشةٌ لم تَزلْ
تجودُ بالألماسِ والدرِ
تلكَ التي قدْ وَهبتْ عمرَهَا
في خدمة الأئمةِ الغُرِ
ما فتئتْ ترسمُ أفكارَهمْ
في صفحاتِ القلبِ والفكرِ
وتنثرُ الورودَ من روضهمْ
فواحةً تعبقُ بالعطرِ
و(أحسنُ الجزاء) منهم لها
ضمانةُ (النجاةِ) في الحشرِ
يَا حسنها من ريشةٍ للهدى
تزهوُ بكف سيّدٍ حبرِ
مِدادُهَا كوثرُ أجدادهِ
تسبحُ في عطائهِ الثَّرِ
في عمقها روحٌ ولائيةٌ
قد بوركتْ من صاحب العصرِ
قدْ أقبلتْ تختالُ في مشيها
وتنثني كالغادة البكرِ
تبحثُ عن والدها هلْ لهُ
في شرعها ولايةُ الأمرِ
فمنْ أَجابَ سؤُلها نافيًا
سَقتْهُ كأسَ البُعْدِ والهجرِ
حتى رأتْ في دربها سيدًا
طلْعتُهُ كطلعةِ البدرِ
فَهَالها في حسنهِ ذوقُهُ
وما أفاضَ من رؤىً بكرِ
قالتْ: فأرخْ (نُقِّحتْ كلُّها
أجادها ”نتائج الفكرِ”)

وبعد أن قدّمت له هذه المقطوعة (طابت نفسه الزكية) شكرني على ذلك كثيرًا، ولكن بما أن الرسالة المذكورة كانت رسالة فقهية استدلالية، ولم تجرِ العادة على طباعة تأريخ شعري لها، لذلك طلب مني (قده) أن أكتب كلمة نثرية لرسالته الشريفة، فاعتذرتُ منه بشدة، وقلتُ له إنني أقل من ذلك، ولكنه أبى إلا أن أبدل شعري بنثري، ولعلَّ ذلك كان خوفًا منه على مشاعري النفسية رغم أني لم أقصد بكتابة مقطوعتي الشعرية إلا تقدير شموخ التواضع فيه، ولم يكن يدر في خلدي أن تطبع تلك المقطوعة كمقدمة للرسالة الشريفة، وحينها نزلتُ عند رغبته، وتشرفتُ بامتثال أمره، فكتبتُ الكلمة التالية، التي نُشرت مع الطبعة الثانية من رسالته المذكورة، وإليك نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف بريته أجمعين، محمد وآله الطاهرين.

أهمية الرسائل الفقهية في مسيرة الفقه الشيعي:

(الرسالة الفقهية) هي: عبارة عن تحقيق علمي في مسألة من مسائل الفقه الشريف، على طبق القواعد العلمية والروايات المعصومية الواردة عن أئمة الهدى (عليهم السلام).

وعادةً مَا تكون هذه المسألة المطروقة من المسائل المحورية، التي تختلف فيها الأنظار، وتتباين فيها الآراء، انعكاسًا عن تعدد الروايات واختلاف مؤداها.

وتتميز (الرسالة الفقهية) عن كتب الفقه الأخرى –حتى الموسوعية منها– بالشمول والاستيعاب، والمتابعة التحقيقية في الوجوه الاستدلالية للمسألة المبحوث عنها، وكذلك تنقيح الروايات المتعلقة بها سندًا ودلالة، بالإضافة إلى تحقيق الفروع الفقهية المرتبطة بتلك المسألة.

ومن هنا كانت سيرة علماء الطائفة المحقة (رضوان الله تعالى عليهم) على بحث المعضل من المسائل والفروع –تحقيقًا وتدقيقًا– بنحو استقلالي، تُعورفَ عليه عندهم بـ(الرسالة الفقهية).

فكتب الشيخ البهائي (قده) مثلًا رسالة في (ذبائح أهل الكتاب)، وكتب الشيخ الأعظم الأنصاري (قده) رسالة في (العدالة) وأخرى في (التقية) وثالثة في (القضاء عن الميت)، وكتبَ السيد الفشاركي (قده) رسالة في (تقوي السافل بالعالي) وثانية في (الخلل) وثالثة في (الدماء الثلاثة)، وكتبَ المقدس الأردبيلي (قده) أيضًا رسالة في (جواز تقليد الميت) وأخرى في (كفاية بسملة الجنب بقصد سورة العزيمة في التذكية).

وعلى هذا المنوال جاءت الخراجيات الثلاث للمحققين الثلاثة: الكركي والقطيفي والأردبيلي (قدس الله أسرارهم).

وامتدادًا لهذه المسيرة الحافلة بالعطاء، انكفأ سيدنا الأستاذ العلامة الجليل السيد محمد رضا الحائري الأعرجي الفحام (دام ظله) على تحقيق مهمات المسائل المستعصية، جامعًا بين عمق المطالب وسلاسة العبارات.

فكان مما جادَ به يراعه الشريف رسالة في حكم الحاكم بعلمه، أسماها بـ(تنقيح الأدلة)، وقد كتبها (دام ظله) نزولًا عند رغبة أستاذه الفقيه آية الله الشيخ مرتضى الحائري (قده)، ورسالة ثانية أسماها بـ(النجم الزاهر في بيان نذر الناذر) وقد طبعت مرتين في النجف الأشرف، وثالثة عنونها بـ(خير الدارين في بر الوالدين)، ومن رسائله أيضًا رسالة في (نقل الجنائز إلى المشاهد المشرفة)، ورسالة مبسوطة في (إجزاء الأغسال عن الوضوء)، ورسالة في (حكم الجهر في أوليتي صلاة الظهر من يوم الجمعة)، وكذلك رسالة في (حكم مفطرية الدخان للصوم)، ورسالة في (تعين الجلوس في نافلة الوتيرة)، ومن آخر الرسائل التي كتبها (دامت فوائده) هذه الرسالة الشريفة المسماة بـ(نتائج الفكر في بيان ولاية الأب على البكر).

رسالة (نتائج الفكر) في سطور:

1 الأول: كان اختيار سيدنا الأستاذ (دام موفقًا) لهذه الرسالة موفقًا غاية التوفيق، نظرًا لما تشتمل عليه من الأهمية البالغة، سواء في موقعها العلمي، أم في جذورها العملية المرتبطة بالعمل التطبيقي عند أتباع المدرسة المحقة (زادهم الله شرفًا وعزًا).

2 الثاني: جاءت هذه الرسالة دقيقة في فقهها القواعدي، وذوقية سلسة في فقهها الروائي، وقد صيغت بمنهجية علمية لطيفة، حيث بدأ السيد الأستاذ (دام تأييده) بتنقيح موضوع المسألة، محددًا ما هو المراد من عنوان البكر؟ ثم قام بعرض الآراء المطروحة –والتي تناهت إلى التسعة– مع بيان أدلتها والملاحظات الواردة عليها، وبعد خوضه في معركة الآراء ومناقشتها مناقشة موضوعية، حدّدَ مختاره في المسألة مع بيان وجه الأرجحية، ولإتمام الرسالة من جميع جوانبها قام –رابعًا– بعرض الفروع الفقهية المرتبطة بالمسألة –والتي تناهت إلى اثني عشر فرعًا– ودرسها دراسة استدلالية وافية، ثم ختم الرسالة أخيرًا بخاتمة في بيان أولياء العقد وما يوجب سقوط ولايتهم.

3 الثالث: إن النتيجة التي توصّل إليها السيد الأستاذ (أيده الله) هي القول باستقلال الأب في الولاية على البكر البالغة الرشيدة، وهي مغايرة لما استنتجه في الطبعة الأولى للرسالة، حيث ذهب فيها إلى جواز عقد الأب ونفوذه بدون إذن البنت، ونفوذ عقدها بدون إذن أبيها، مع التزامه بجواز نقض العقد للأب حالة وجود أمر منه، والعكس بالعكس.

وليس هذا التغاير في الاستنتاج ناشئًا إلا عن عمق التفكير، والمتابعة الفقهية المتواصلة، التي يعيشها السيد الأستاذ، صان الله مهجته ونفع به، وجزاه عن الفقه وأهله خير جزاء المحسنين، بحق السادة الميامين محمد والعترة المعصومين، والحمد لله رب العالمين.

أقل تلامذة المؤلف

ضياء الخباز

الخميس 11/5/1419هـ

قم المقدسة

(6)

وقبل أن أختم الحديث حول حياة سيدي الأستاذ (عطر الله مرقده) يطيب لي –إحياءً لفكره، وإشادةً بقدرته العلمية– أن أُشير إلى بعض آرائه العلمية الشريفة على نحو الإجمال:

1 فمن آرائه الشريفة: أنه كان يرى حجية كلٍ من أقوال وأفعال وتقرير الصديقة الصغرى السيدة زينب (عليها آلاف التحية والسلام)، حيث يقول (قده) في تعليقه على كلمة الإمام زين العابدين (عليه السلام) لعمته الصديقة «فأنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة»[6]: هذه الجمل الذهبية الصادرة عن الإمام المعصوم (عليه السلام) في حق عمته (سلام الله عليها) من أعظم جمل الثناء والمدح، الدالة على أن علمها بالأحكام الإلهية يُفاض عليها بنحو ما يفاض على المعصوم (عليه السلام) وأنه لدني غير اكتسابي، ويكون نتيجة ذلك حجية فعلها وقولها بل وتقريرها (عليها السلام) [7].

2 ومن آرائه الفقهية: القول بوجوب الجهر في أُولتي صلاة الظهر من يوم الجمعة على المنفرد، وقد كتب في إثبات ذلك رسالة استدلالية لطيفة، طبعها في نهاية كتابه الشريف (نجاة الأمة في إقامة العزاء على الحسين والأئمة).

3 وكذا من آرائه في الفقه أيضًا: القول بعدم مفطرية شرب الدخان في نهار شهر رمضان، وقد أثبت ذلك في رسالة خاصة كتبها حول الموضوع، حيث عرض فيها جميع ما استدل به على المفطرية، وناقشه مناقشة علمية، وبذلك انتهى إلى عدم نهوض دليل على المفطرية، وقد طبعت رسالته هذه بمعية كتابه المتقدم (نجاة الأمة).

4 ومن آرائه الشريفة أيضًا: أنه كان يرى رجحان إحياء الشعائر الحسينية المقدسة، وإن أدى إحياؤها إلى الضرر والهلكة، كما لو أدى البكاء إلى إتلاف العين مثلًا، أو أدى إدماء الجسد إلى إتلاف حاسة من الحواس أو عضو من الأعضاء، بل وحتى زهاق النفس، حيث كان يرى حكومة أدلة إحياء الشعائر الحسينية على أدلة نفي الضرر وحرمة التهلكة، حالها حال أدلة الزكاة والجهاد والحج والقصاص والديات التي هي بطبيعتها أحكام ضررية، حيث يستفيد (أعلى الله درجته) من روايات البكاء، وكذا من روايات زيارة الحسين (عليه السلام) أن طبيعتها طبيعة ضررية، ثم تعدى من الموردين المذكورين إلى سائر الشعائر الحسينية بدلالة تنقيح المناط القطعي، وقد صرح بذلك في مواضع عديدة من كتابيه الشريفين: (أحسن الجزاء) و(نجاة الأمة)، فراجع[8].

5 ومن آرائه الأصولية (طابت نفسه الزكية): أنه كان يرى جريان صناعة الإطلاق والتقييد في المستحبات، من غير فرق بينها وبين الواجبات، ولم يستثنِ من ذلك إلا حالة استفادة أخذ المستحب على نحو تعدد المطلوب من بعض القرائن الداخلية أو الخارجية، خلافًا لما يكاد أن يكون مسلّمًا عند الأصوليين، وقد صرح بذلك في بعض كتبه[9].

هذا بعض ما اطّلعتُ عليه من آرائه الشريفة، وله غير ذلك من الآراء العلمية المبثوثة في سائر كتبه ومصنّفاته.

وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد سيدنا الأستاذ بواسع رحمته، فهو أرحم الراحمين، ويحشره مع أجداده الطاهرين، محمد وآله الميامين، والحمد لله ربِّ العالمين.

 

ضياء السيد عدنان الخباز القطيفي

القطيف المحروسة / المدارس

يوم الاثنين: 28/5/1427هـ


مصادر الترجمة

1– الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية، للشيخ فرج العمران (قده) الجزء: 13، مطبعة النعمان، النجف الأشرف، عام: 1391هـ.

2– نجاة الأمة في إقامة العزاء على الحسين والأئمة (ع)، للسيد محمد رضا الأعرجي (قده) الطبعة الأولى: 1413هـ، مطبعة سيد الشهداء (ع) قم المقدسة.

3– نتائج الفكر في بيان ولاية الأب على البكر، للسيد محمد رضا الأعرجي (قده) الطبعة الثانية: 1377هـ ش، المطبعة العلمية، قم المقدسة.

4– إرشاد العباد إلى استحباب لبس السواد، للسيد الميرزا جعفر الطباطبائي الحائري (قده)، وتصحيح وتعليق السيد محمد رضا الأعرجي (قده) الطبعة الأولى: 1404هـ، المطبعة العلمية / قم المقدسة.

5– تنقيح الأدلة في بيان حكم الحاكم بعلمه، للسيد محمد رضا الأعرجي (قده) الطبعة الأولى: 1364هـ ش، المطبعة العلمية، قم المقدسة.

6– ترجمة مختصرة للسيد الأستاذ (قده) بقلمه الشريف.


الهوامش:

[1] وإليك نص الإجازة كما وردت في كتاب العلامة المجيز (قده) المسمى بـ(الأزهار الأرجية) 13 / 178: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي رفع قدر العلماء الأعلام، وفضل مدادهم على دماء الشهداء الكرام، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين عددَ الدهور والأعوام، وبعد: فقد استجازني العلامة الجليل، ثقة الإسلام، ومروج الأحكام، السيد محمد رضا بن السيد جعفر الحسيني الأعرجي، فأجزته حفظه الله حيث رأيته أهلًا، أن يروي عني جميع ما صحت لي روايته عن مشائخي الكرام، ذوي النقض والإبرام، المذكورين في مدوناتي ومسفوراتي، جميع ما صنفوا وألفوا ولا سيما الكتب الأربعة الشهيرة اشتهار الشمس في رائعة النهار، والتي عليها المدار في الأعصار والأمصار، وهي الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار، فليروِ حفظه الله عني ما شاء متى شاء، وليجز ذلك لمن يشاء ممن يجده أهلًا لتحمل هذه الأعباء، وأوصيه ونفسي بتقوى الله وسلوك طريق الاحتياط، الذي ليس بناكب سالكه عن الصراط، ورجائي أن لا ينساني من دعائه، ولا سيما في مظان الإجابة، والله لا يضيع أجر المحسنين، حررتُ ذلك بقلمي وأنا حينئذ في كربلاء المقدسة، عصر نهار يوم السبت 30/6/1389هـ.

[2] هذه الكتابة مؤرخة بيوم الاثنين الموافق لتأريخ: 26 شعبان المعظم، سنة 1417 هج.

[3] تنقيح الأدلة: 3.

[4] الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية: 13/178.

[5] عيون أخبار الإمام الرضا (ع): 2/275.

[6] الاحتجاج: 2/31.

[7] إرشاد العباد: 37.

[8] نجاة الأمة: 65 و100.

[9] نجاة الأمة: 164.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *