أرغب في الانفصال عن زوجي لأنه يجبرني على عباءة الرأس!

س: أعاني من مشكلة مع زوجي وذلك بسبب اختلافاتنا الفكرية، ومنها أني لا أرى مشكلة في لبس عباءة الكتف إذا كانت واسعة ولا تشتمل على زينة، وأرغب في لبسها، ولكن زوجي غير مقتنع ولا يقبل مني غير لبس عباءة الرأس، وجبره لي على هذا النحو يسبب مشاكل وخلافات بيننا ورغبة في الانفصال لأنني لا طاقة لي على احتمال جبره لي أو تهديده بالحبس وعدم الخروج من المنزل.

الجواب

ج: بنظري أن الموضوع المذكور لا يستحق أن يكون مشكلة؛ إذ الحياة الزوجية أكبر وأسمى من ذلك، والذي فهمته من كلامك أنك لا ترين مشكلة في عباءة الرأس، وإنما ترجحين عباءة الكتف عليها، وبما أن زوجك يرى أن الأجدر بك هي عباءة الرأس، فهذا يعني أنكما تتفقان عليها، وتختلفان في عباءة الكتف، وإذا كان الأمر كذلك فمن الجميل جداً أن تحرصي على نقطة الالتقاء وتجتنبي نقطة الاختلاف صوناً لحياتك الزوجية، وحفاظاً على رباطها المقدس، و(ميثاقها الغليظ) كما عبر القرآن الكريم.

وإني حقاً لا زال يملكني العجب مما ذكرتموه من (وجود مشاكل وخلافات ورغبة في الانفصال) بسبب عباءة الكتف، رغم اتفاقكما على عباءة الرأس!!

تعقيبٌ وتفصيلٌ

س: ولكن سيدنا مشكلتي أنه يريد جبري وأنا غير مقتنعة! منذ أول يوم في حياتنا الزوجية اشترط في العقد أن ألبس عباءة الرأس، مع أنه حين تقدم لي كان يعلم أني ألبس عباءة الكتف أحيانًا، ولم يعجبني شرطه لكن أهلي ضغطوا علي حينها بحجة أننا نستطيع أن نتفاهم على كل شيء أثناء الخطوبة أو بعد الزواج! وكنت دائمًا أخبره أن عباءة الكتف لا تقل عن عباءة الرأس في الستر، ما دامت واسعة وخالية من الزينة، ولكنه يصرّ دائمًا على أنها أقل سترًا! ثم إنني أنا التي ألبس العباءة وأنا التي أعرف ما يريحني وما يعيقني، وعباءة الرأس تتسبب في صعوبة التنقل والمشي، خصوصًا عندما أحمل طفلتي، فأنا في كل صباح أذهب بها إلى الحضانة، وأخشى أن أتعثر وأنا أحملها حين ألبس عباءة الرأس! وفوق كل هذا، أنا التي تتلقى الانتقادات والضغوطات النفسية من بعض الأهل والصديقات والزميلات، بينما هو مرتاح من كل ذلك، ثم يريد أن يجبرني على قناعته الشخصية من غير مراعاة للضغط النفسي الذي أعاني منه؟!

الجواب

ج: أختي الكريمة، أستميحك العذر في أن أكتب بعض الكلمات التي أعتقد أن لله تعالى فيها رضا، ولكم فيها خير وصلاح، ولكنني أرجو منكم قراءتها إلى آخرها مع الدقة والتأمل، والتجرد قليلاً عن العواطف والانفعال، وإعطاء العقل والقلب مساحة من التفكير الجاد.

لقد قرأت سطورك المرة والمرتين والثلاث، وبدا لي أنَّ القضية شبه محسومة سلفاً لصالح الزوج، نظراً لما فهمته من كلامكم من وجود اتفاق مسبق وشرط متقدم متفق عليه بينكما، وهذا يعني أن الزوج كان واضحاً وصريحاً منذ البداية في تحديد رغبته، وأنتم قد وافقتم عليها بمحض إرادتكم ولو في الظاهر، وهذا يكفي لكونه محقاً في طلبه، ولا تجدر بكم المخالفة بعد الموافقة، فإنَّ (المؤمنين عند شروطهم) كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله.

ومع غض النظر عن ذلك، فإنني حين أرجع لمحاكمة أسباب الطرفين، أجد من وجهة نظرٍ شرعية أنَّ جانب الزوج أقوى من جانبكم، ويمكنني إيضاح ذلك بالتفصيل التالي:

1- أما السبب الأول: فقد ذكرتم أن الزوج يرى عباءة الرأس أستر، وأنتم ترون عباءة الكتف مساوية لها في الستر، وحينئذ فلا بدَّ لكما من الرجوع لجهة أعلى تحسم هذا الاختلاف بينكما، وليست هذه الجهة إلا المرجعية الدينية التي تستطيع تحديد الرؤية الشرعية الدقيقة المتعلقة باللباس، وبالرجوع لفتاوى السيد السيستاني (دام ظله) نجده حين سُئل السؤال التالي: (ما حكم لبس عباءة الكتف إذا كانت غير مفصلة لجسم المرأة؟) أجاب مكتبه: (لا مانع منها إذا لم يعد استهجاناً ومثيراً للشهوة نوعاً، وعلى أي حال سماحة السيد (حفظه الله) يحبّذ للمرأة المؤمنة لبس عباءة الرأس)، وجاء في جواب آخر: (لا مانع منه، لكن سماحة السيد يحبّذ للمرأة المؤمنة لبس العباءة التي فوق الرأس).

ومنشأ هذا التحبيذ منه (دام ظله) هو: أنَّ عباءة الرأس هي لباس نساء أهل البيت (عليهم السلام)، ويشهد لذلك ما رواه الشيخ عباس القمي (طاب ثراه) في كتابه (منتهى الآمال ج 1 ص 597) بقوله: (يقول عمرو بن منذر الهمداني: رأيتُ أم كلثوم فتخيلت الزهراء “عليها السلام” بعباءتها السوداء على رأسها، والغطاء يستر وجهها).

وعلى ذلك، فالمفروض أن تكون الفتوى هي القول الفصل بينكم وبين زوجكم؛ إذ أنها صريحة في عدم التساوي بين العباءتين، وأن عباءة الرأس هي الراجحة.

2- وأما السبب الثاني الذي ذكرتموه: فهو بتصوري ليس سبباً كافياً للترجيح؛ وذلك لأن المشكلة التي أشرتم إليها – وهي عدم السيطرة على العباءة عند الذهاب بطفلتكم للحضانة – إنما هي مشكلة جزئية خاصة مرتبطة بطريقة استفادتكم من عباءة الرأس أو بكيفية تفصيلها، وليست مرتبطة بعباءة الرأس نفسها، ويدل على ذلك: أنَّ النساء الأخريات اللاتي يرتدين عباءة الرأس يتمكن من حمل أولادهن، والتنقل بهن، ولا يقعن في نفس المشكلة التي تشتكين منها، مما يعني أنَّ المشكلة المشار إليها مرتبطة بطريقة الاستفادة من عباءة الرأس، لا بالعباءة نفسها، وبالتالي فإنَّ هذا السبب لا يصلح للترجيح.

3- وأما السبب الثالث: فهو المشكلة على ما أعتقد وأقوى الأسباب؛ إذ أنَّ المحيط يضغط على مَن يعيش فيه ضغطاً شديداً تصعب مقاومته.

ولكنّ ذلك لا يعني الانصياع له، والانهزام أمامه، بل ينبغي التنبه لأمور ثلاثة مهمة:

الأمر الأول: أنَّ المحيط متغير متقلب، وبالتالي فحين يطلق الإنسان لنفسه العنان في التفاعل معه، فإنَّ ذلك سيجره إلى التقلّب معه إلى آخر العمر من غير توقف عند حد، وهذا ما يسلب الإنسان هويته ويجعله يسير على غير بصيرة، فالمحيط هو الذي يخطط ويبرمج بسبب انفتاحه على الثقافات والمجتمعات الأخرى، والمتابع له يكون أمامه ضعيفاً مسلوب الإرادة؛ وهذا ما ينبغي أن يحذر منه الإنسان المؤمن، ويكون يقظاً في تعامله مع المتغيرات التي تحيط به.

ومما يجدر التنبّه له هنا: أنَّ المرأة قد تتصور أنها حين تنفتح على عباءة الكتف فإنها ستتمكن من التحكم في انفتاحها، فتختار العباءة الواسعة غير المزينة، وهذا قد يبدو سهلاً لأول وهلة، ولكن لا يخفى أن الضعف عن مقاومة ضغط المحيط مرة يستتبع الضعف عن المقاومة مرات، فغداً حين يهجر المحيط كله عباءة الكتف الواسعة ويبدأ ينتقدها ويعيب من تلبسها، ستضطر المرأة أيضاً إلى تغيير عباءتها تجاوباً مع المحيط، لتتخلص من ضغطه، وهكذا، وما نشهده الآن في مجتمعنا من التغير والتبدل السريع في حجاب المرأة كلما تغيرت الموضة خير شاهد على ما أقول.

الأمر الثاني: كما تفكر المرأة في نفسها ينبغي أن تفكر في مستقبل بناتها، فإن بناتها حين يكبرن ويرينها – وهي القدوة لهن – متمسكة بالعباءة الأصيلة، سيكون ذلك أدعى لتمسكهن بها، سيما إذا ربتهن الأم عليها، وصقلت نفوسهن على التمسك بها، ولكن حين يرين الأم قد تخلت عن العباءة الأصيلة واستبدلتها بالعباءة الدخيلة فإن هذه ستكون هي البذرة الأولى لحجابهن، ومن ثم إذا كبرن وذهبن للمدرسة ووجدن أن عباءتهن الكتف مختلفة عن عباءات الأخريات من حيث السعة والزينة والألوان، سيكون ذلك موجباً لمحاولة تقليد الأخريات، وهو ما يفتح على الأسرة باباً يصعب سده، وعليه فسدُّ هذا الباب من البداية – عند غرس البذرة الأولى للحجاب في نفوس البنات بالعباءة الأصيلة – يكون أدعى لإصرارهن عليها في المستقبل.

الأمر الثالث: هنالك وصية جليلة للإمام الكاظم (عليه السلام) لو اتخذناها شعاراً وجعلناها معياراً في حياتنا، لكانت لنا خير معين في مقاومة الضغوط الاجتماعية وتداعيات العقل الجمعي، وتضمن لنا تجاوز التعب النفسي، وهي قوله عليه السلام: (يا هشام، لو كان في يدك جوزة وقال الناس: في يدك لؤلؤة، ما كان ينفعك وأنت تعلم أنّها جوزة، ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس: إنّها جوزة، ما ضرّك وأنت تعلم أنّها لؤلؤة)، وما أروعها من وصية لو تأملناها وطبقناها في مختلف مناحي حياتنا.

ويكفي الإنسان للتنفر مما عليه كافة الناس، وعدم الاعتناء به، قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق)، ولا شك أن الأجدر بالمرأة المؤمنة أن تكون على أقل تقدير من القسم الثاني، وذلك حين تستضيء بنور الفتوى، وإرشادات المرجعية، وتتمسك بسيرة أهل البيت (عليهم السلام)، وحينئذ ما الذي سيضرها لو مال الآخرون مع كل ريح، ونعقوا مع كل ناعق، ولم يستضيئوا بنور العلم، بل ينبغي عليها عندئذ أن تبتهج بما هي عليه – وإن كانت وحيدة – وتشفق على الآخرين مما هم عليه، وإن كانوا كثيرين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

11 تعليقا على “أرغب في الانفصال عن زوجي لأنه يجبرني على عباءة الرأس!”

  1. أحسنتم كثيراً سماحة السيد الجليل
    نعمت الإجابة الكافية الوافية والتي يستفيد منها المؤمن والمؤمنة في مواجهة مختلف الضغوطات الاجتماعية والتمسك بالمبادئ الأصيلة في هذا الزمن.
    نسأل الله أن يوفق الجميع للعمل نحو مرضاته ومرضاة سادة الخلق الطاهرين.

    1. سيدنا العزيز بارك الله فيكم
      إجابة شافية و واضحة لمن تريد الهداية لا الغواية
      للأسف مقولة (ماذا يقول الناس عني ) صارت أهم من ( ماذا يقول إمام زماني عني)
      نسأل الله التقوى و التمسك بالدين حتى نسلم هذه النفس إلى خالقها أو أن يظهر صاحب الأمر عجل الله فرجه.
      شكرا لكم مرة أخرى سيدنا الأجل.

    2. كلام جميل ووافي ولكن لو رجعنا للقرآن وهو المرجع الاساسي الذي نأخذ منه شريعتنا الواضحة السمحة وهو كتاب الله المنزه المعصوم من اي غلط فلقد ذكر في القرآن الحجاب والستر بشكل عام ولم يذكر ان عباءة الرأس او عباءة الكتف هما المقصودتين المهم الستر وتغطية الرأس كامل حتى الجيب قال تعالى( سورة النور، آية 31
      وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى‏ جُيُوبِهِنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ……الخ)
      ولذلك لانستطيع الحكم على المسلمات في الدول العربية او الاجنبية بأنها غير محتشمة لانها لا تلبس عباءة الرأس او الكتف
      ورب جلابية ساترة مع حجاب افضل من عباءة رأس ضيقة او شفافة
      وعباءة الرأس او الكتف او جلابية او غيرها ماهي الا عرف وعادات مجتمعية
      لان الاساس الستر حتى لو كان (بخيشة)

      1. تعليق سماحة السيد الضياء:

        الفقيه فقط هو المخول لاستنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم، ووظيفة من سواه هو الرجوع إليه، والأولى بالمؤمن أن يرجع لأهل التخصص لمعرفة أحكام دينه، ويترك تفسير القرآن لأهله، لئلا ينطبق عليه الحديث الشريف: (من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار).

  2. انا امراة افتخر بعباءة الرأس وسأظل البسها وفخورة بلبسي وابحث عن رجل ذو خلق ودين وغيور لان غيرة الرجل على زوجته واهله ايمان ربي يرزقني بالزوج الصالح التقي وياخذ بيدي للجنة ربي استرني فوق الارض وتحت الارض ويوم العرض عليك يارب 🤲 بحق محمدوال محمد

    1. انا رجل واتفق ١١٠% ان عباءة الرأس استر بمراحل. عباءة الكتف للاسف حتى ولو كانت واسعة فهي تكشف ملامح جسم المرأة، وارغب بالزواج بامرأة مقتنعة بعباءة الرأس بدون اشتراطات على ذلك في الخطوبه.

      كذلك اؤمن بأهمية تغطية الوجه وذلك لقفل باب الشيطان و باب مقارنة الرجال بوجوه نسائهم مع غيرهم من النساء الاخريات كما يرون بالاسواق مثلا.
      نسأل الله التوفيق

  3. أحسنتم سيدنا إجابة شافية ووافية..
    أنا فتاة أرتدي عباءة الرأس منذ صغري وعن اقتناع تام والحمد لله رب العالمين ولم يضرني المجتمع ونظراته لي لأن المهم بالنسبة لي هو رضا المولى صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف.
    أتمنى من الأخت طارحة السؤال أن تراجع نفسها ولا تخرب بيتها بيديها وخاصةً أنها وافقت على زوجها وهي عالمة بشرطه قبل العقد. وأتمنى أن تفكر في حال ابنتها بعد الطلاق والأذى النفسي الكبير الذي ستتسبب هي به عليها وسيكون أعظم بكثير من الأذى النفسي الذي تعيشه هي بسبب نظرة المجتمع من عباءة الرأس التي ترتديها. فليكن تمسككِ بالعباءة الزينبية وحفاظكِ على حياتكِ الزوجية خالصاً لله واتركي كلام المجتمع فهم لن ينفعوكِ لا في الدنيا ولا في الآخرة، وثقي تماماً بأن الله سبحانه سيعوضكِ خيراً في الدنيا والآخرة. أسأل الله سبحانه أن يهَبَكِ القوة والصبر والفهم والحكمة

  4. بارك الله فيكم…
    وتعقيباً على هذا لايعني ان من ترتدي عبائه الكتف الواسعه والحجاب الساتر هي امرآة بلا اخلاق … وليست محتشمه..
    ومن ناحية عباة الرأس هي في الاصل مستحدثة.. لا اعرف كيف سميت عباءة زينبيه…
    اللبس القديم للعباءة الزينبيه يحتوي على الخمار و الثوب والجلباب… وهو مايشبه الان الثوب الساتر والجلباب يوجد انواع والخمار مايوضع على الرأس الى اسفل الصدر ..
    التستر باخفاء ملامح الجسد البارزة .. هو غايهرالحجاب والستر..
    وشكراً لكم…

    1. تعليق سماحة السيد الضياء:

      هذا الكلام غير دقيق، وعباءة الرأس كانت هي اللباس المتعارف عند أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، وكونك لا تعرف لماذا سميت بالعباءة الزينبية فهذا لا يعني عدم وجود المنشأ الواقعي للتسمية، وهو معلوم عند أهله، ولو رجع الإنسان إليهم رجوع الجاهل للعالم -ولم يغتر ببعض المكررات غير الدقيقة- لأعلموه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *