إثارات وردود حول خبر الوصية

إثاراتٌ_وردودٌ_حول_خبر_الوصية.pdf

لقد أثيرت حول خبر وصية النبي (ص) لأمير المؤمنين (ع) بالصبر على ما يجري على الصدّيقة الشهيدة (ع) عدّة إثارات، بعضها يتعلق بسند الرواية والبعض الآخر بمتنها، وقبل تناولها عرضًا ونقدًا نبدأ بذكر نصّ الرواية.

نصّ الرواية:

روى الشيخ الكليني في الكافي عن الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد عن أحمد بن محمد، عن الحارث بن جعفر، عن علي بن إسماعيل بن يقطين، عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير قال: حدثني موسى بن جعفر عليهما السلام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أليس كان أمير المؤمنين عليه السلام كاتب الوصية ورسول الله صلى الله عليه وآله المملي عليه وجبرئيل والملائكة المقربون عليهم السلام شهود؟ قال: فأطرق طويلًا ثم قال: يا أبا الحسن، قد كان ما قلت، ولكن حين نزل برسول الله صلى الله عليه وآله الأمر، نزلت الوصية من عند الله كتابًا مسجّلًا، نزل به جبرئيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة.

فقال جبرئيل: يا محمد مر بإخراج من عندك إلا وصيك، ليقبضها منا وتشهدنا بدفعك إياها إليه ضامنًا لها – يعني عليًا عليه السلام – فأمر النبي صلى الله عليه وآله بإخراج من كان في البيت ما خلا عليًا عليه السلام، وفاطمة فيما بين الستر والباب، فقال جبرئيل: يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول: هذا كتاب ما كنت عهدت إليك وشرطت عليك وشهدت به عليك وأشهدت به عليك ملائكتي وكفى بي يا محمد شهيدًا، قال: فارتعدت مفاصل النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا جبرئيل ربي هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام، صدق عز وجل وبر، هات الكتاب، فدفعه إليه وأمره بدفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له: اقرأه، فقرأه حرفًا حرفًا.

فقال: يا علي! هذا عهد ربي تبارك وتعالى إليّ، شرطه عليّ، وأمانته، وقد بلغت ونصحت وأديت، فقال علي عليه السلام: وأنا أشهد لك -بأبي وأمي أنت- بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلت ويشهد لك به سمعي وبصري ولحمي ودمي.

فقال جبرئيل عليه السلام: وأنا لكما على ذلك من الشاهدين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي أخذت وصيتي وعرفتها وضمنت لله ولي الوفاء بما فيها، فقال علي عليه السلام: نعم بأبي أنت وأمي، علي ضمانها وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي إني أريد أن أشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة. فقال علي عليه السلام: نعم أشهد، فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران معهما الملائكة المقربون لأشهدهم عليك، فقال: نعم ليشهدوا وأنا -بأبي أنت وأمي- أشهدهم. فأشهدهم رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان فيما اشترط عليه النبي بأمر جبرئيل عليه السلام فيما أمر الله عز وجل أن قال له: يا علي، تفي بما فيها من موالاة من والى الله ورسوله، والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله والبراءة منهم، على الصبر منك، وعلى كظم الغيظ، وعلى ذهاب حقك، وغصب خمسك، وانتهاك حرمتك؟

فقال: نعم يا رسول الله. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لقد سمعت جبرئيل عليه السلام يقول للنبي: يا محمد عرّفه أنه ينتهك الحرمة، وهي حرمة الله وحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلى أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط. قال أمير المؤمنين عليه السلام: فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل حتى سقطت على وجهي وقلت: نعم قبلت ورضيت، وإن انتهكت الحرمة، وعطِّلت السنن، ومُزِّق الكتاب، وهدمت الكعبة، وخضِّبت لحيتي من رأسي بدم عبيط، صابرًا محتسبًا أبدًا حتى أقدم عليك [1].

إثاراتٌ ورودٌ:

وبعد عرض نصّ الرواية، نشرع في ذكر الإشكالات المثارة حولها ونجيب عنها تباعًا.

الإثارة الأولى: ضعف السند.

وحاصلها: إنَّ خبر الوصية إنَّما يتناول قضية تاريخية قد تثبت وقد لا تثبت، ولا علاقة لذلك بالعقيدة، وبما أنَّ هذا الخبر ضعيف السند – كما سيأتي – فلا غضاضة في نفيها، وإن وردت في كتاب الكافي الشريف، فإنّه لم يقل أحدٌ من علماء الطائفة بصحة جميع ما في الكافي.

الإجابة عن الإثارة الأولى:

ويلاحظ على هذه الإثارة: بأنَّ الكلام إذا كان في التاريخ وليس في العقيدة – كما هو مدعى صاحب الإثارة – فإنَّ محاكمة الحدث التاريخي بضعف سنده لهي على خلاف المنهج العلمي، إذ أنَّ أدوات التحقيق التاريخي تختلف عن أدوات التحقيق في القضايا الفقهية والعقدية، ففي الوقت الذي يتكئ فيه الفقيه على قوة السند – كما هو المنهج الذائع في العصر الأخير – لإثبات الحكم الشرعي، فإنَّ المؤرِّخ يعتمد لإثبات الحدث التاريخي منهج جمع القرائن، ولا يدور مدار السند صحةً وضعفًا.

وبالتالي فإذا جاءتنا رواية في أحد الكتب المعتبرة، ولم تتضمن محذورًا يمنع من قبول مضمونها، وكان المصدر من الكتب المتقدمة، ومؤلّفه من الأعلام المعروفين بالضبط والأمانة، فإنَّ كل هذه القرائن – وهي متوفرة فيما نحن فيه – مما تكفي لاعتماد الرواية بحسب المنهج التاريخي، والبحث السندي حينئذٍ لا وجه له.

وأمّا دعوى أنَّ كتاب الكافي لم يقل أحدٌ من علمائنا بصحّة جميع ما فيه، فهي على إطلاقها مجانبةٌ للصواب؛ لأنَّ مجموعة من علمائنا المحدّثين الأخباريين قد قالوا بصحة جميع روايات الكافي، بل مال إلى ذلك حتى بعض المعاصرين من علمائنا الأصوليين، وقد اشتهر عن المحقق الشيخ النائيني (قده) -كما نقل عنه ذلك تلميذه السيد الخوئي (قده) في معجم الرجال- قوله: إنَّ المناقشة في أسانيد كتاب الكافي حرفة العاجز [2].

الإثارة الثانية: التهافت.

ومؤدّى هذه الإثارة: إنَّ هذه الرواية تشتمل على نحوٍ من التهافت، فمن جهة يسأل الراوي: أليس كان أمير المؤمنين (ع) كاتب الوصية ورسول الله (ص) المملي عليه؟ ومن جهة أخرى يجيبه الإمام (ع): “نزلت الوصية من عند الله كتابًا مسجّلًا”، وهذا يعني أنَّ هذه الوصية لم يكتبها أمير المؤمنين (ع).

الإجابةُ عن الإثارة الثانية:

ويُجاب عن ذلك: بعدم المنافاة بين الأمرين، فإنَّ هذه الوصية قد كُتِبَت بنحوين: النحو الأول في حياة النبي (ص)، حيث أملاها النبي (ص) على علي (ع) فكتبها والملائكة شهود عليه، والنحو الثاني في آخر حياة النبي (ص)، حيث نزلت نفس الوصية كتابًا مسجّلًا، ولذلك أمضى الإمام (عليه السلام) ما ذكره السائل في سؤاله، ثمَّ زاده علمًا، فقال له: “قد كان ما قلت -أي: من أمر كتابة أمير المؤمنين (ع) للوصية- ولكن حين نزل برسول الله (ص) الأمر نزلت الوصية من عند الله كتابًا مسجّلًا”.

الإثارة الثالثة: الوصية أهم من القرآن الكريم.

وتقريب هذه الإثارة: إنَّ الرواية قد بيّنت أنَّ هذه الوصية قد نزلت من عند الله تعالى كتابًا مسجّلًا، وهذا يكشف عن أهميتها وعظمتها إلى درجة تفوق القرآن الكريم! لأنَّ القرآن لم ينزل من السماء مكتوبًا.

الإجابة عن الإثارة الثالثة:

ويجاب عن هذه الإثارة بعدة أجوبة:

أولًا: إنَّ القرآن الكريم لم ينزل على النبي (ص) كتابًا مسجّلًا، باعتبار أنَّه نزل نجومًا، فكان نزوله التدريجي يقتضي ألا ينزل مكتوبًا دفعة واحدة.

وثانيًا: إنَّ الذي يؤكّد نبوة النبي (ص) هو هذا النحو من النزول، إذ أنه لو جاء الناس بكتاب مكتوب لاتُّهِم في ذلك، ولكنه كان يريد أن يثبت وجود علاقة بينه وبين السماء، وهذه العلاقة إنما يثبتها عن طريق إثبات اتصال الوحي به بشكلٍ متصل، وتلقيه القرآن الكريم من خلاله، كما يشهد بذلك قوله تبارك وتعالى: {وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَٰؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ * وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [3].

 ممّا يعني وجود فرق واضح بين ظروف نزول القرآن الكريم وظروف نزول الوصية، فإنَّ الوصية إنَّما نزلت في آخر حياة النبي (ص) حين كانت نبوّته قد استقرت، ولا مجال للتشكيك في نزول كتاب مكتوب عليه.

وثالثًا: كيف يقاس مقام الكتاب المكتوب بمقام الوحي؟! والحال أنَّ مقام الوحي معناه اتصال مباشر بين رب الأرباب ونفس النبي (ص)، وإن كنا لا نفهم حقيقة هذا الاتصال، ولكنه ارتباط مباشر بين الذات المقدسة والذات المحمدية المباركة، وأين هذا من إنزال كتاب عليه في الأهمية؟! فإنزال كتاب عليه إنما هو وحي بالواسطة -بواسطة كتاب مكتوب- وأما ذاك فهو يعبِّر عن اتصال مباشر برسول الله (ص)، فأي المقامين أجلّ وأعظم؟!

الإثارة الرابعة: نكارة وجود أمير المؤمنين (ع) في بيت النبي (ص).

ورد في الرواية: “فقال جبرئيل: يا محمد مر بإخراج من عندك، ثم أمر (ص) بإخراج من كان في البيت ما خلا عليًا”، والحال أنَّ من يكون عادة في بيت رسول الله (ص) إنما هو بعض زوجاته، بل زوجة واحدة فقط، حيث كانت البيوت عبارة عن حجرات صغيرة، وإذا كانت الزوجة موجودة فما شأن وجود أمير المؤمنين (ع) هناك؟

الإجابة عن الإثارة الرابعة:

وهذه الإثارة من مثيرات التعجب جدًا، فإنَّ بعض المسلمين كانوا يدخلون على النبي (ص) في أيامه الأخيرة، كما ورد في الروايات التي تتحدث عن أحداث وفاته، وما رزية يوم الخميس ببعيدة عن الأذهان، حين أمر (ص) بإحضار الدواة والكتف ليكتب للمسلمين كتابًا لا يضلّون بعده، ولكنّهم عصوه ورموه بالهجر والوجع، كما أنه كان يدخل عليه بعض أفراد عائلته من بني هاشم كعبد الله بن عباس وغيره، فكيف يقال بأنه لا توجد إلا زوجة واحدة، وإذا كانت موجودة فما شأن وجود علي (ع)؟! على أنه لو كانت زوجة النبي موجودة فما المانع من أن يكون أمير المؤمنين (ع) موجودًا؟! وهو أخوه (ص) بل نفسه، وطالما كان يدخل عليه في مختلف أوقات حياته المباركة ابتداءً منه أو استجابةً لدعوة مسبقة من النبي (ص)، وإذا كانت علاقتهما (ع) في الأيام العادية بهذا المستوى من الالتصاق فإنها في الأيام الأخيرة ستكون أدوم وألصق.

على أنَّ من المحتمل جدًا أن يكون ذلك قد تمَّ في حجرة الصديقة الطاهرة الزهراء (ع)، والتي يميل بعض الباحثين إلى موت النبي (ص) فيها، ويقرّب ذلك تواجد الصديقة الشهيدة (ع) عند نزول الوصيّة.

الإثارة الخامسة: نكارة وقوف الزهراء (ع) بين الستر والباب.

لقد ذكرت الرواية: أنَّ فاطمة كانت بين الستر والباب، وهذا المقطع يثير العديد من الإشكالات، فإنَّ الرسول (ص) بناء على هذه الرواية مأمور بأن يخرج كل من في البيت إلا الوصي، ومقتضى إطلاق هذا الأمر أنَّ النبي (ص) كان مأمورًا بإخراج الزهراء (ع) أيضًا! والحال أنّها كانت بين الستر والباب! فهل كان ذلك لأمره (ص) بإخراجها؟! أم لأجل الحجاب؟ وإذا كان لأجلهِ فعمّن كان تتحجّب أصلًا؟ هل كان تتحجّب عن أبيها أم عن بعلها أم عن الملائكة؟!

الإجابة عن الإثارة الخامسة:

ولم يتضح لنا المقصود من هذه الإثارة؟! فهل المقصود هو استنكار دلالة الرواية على مأمورية النبي (ص) بإخراج بضعته الطاهرة (ع) من البيت، وهو مما لا يناسب عظيم شأنها؟ أم أنَّ المقصود هو الاستنكار على أن يكون الغرض من وقوفها بين الستر والباب هو التحجّب؟

فإن كان المقصود هو الأوّل: فمن المحتمل بأنَّ (الواو) في قول الرواية: (وفاطمة فيما بين الستر والباب) معطوفة على المستثنى (ما خلا عليًّا)، إن كانت أساسًا داخلة في عنوان المستثنى منه (مَن في البيت) عرفًا، ومن المحتمل – وهو الظاهر – أن تكون (الواو) حالية، والغرضُ منها هو التنبيه على خروجها عن دائرة التكليف بالإخراج؛ إذ أنَّ الرواية قد قالت: (فقال جبرئيل: يا محمد مر بإخراج من عندك إلا وصيك)، وبما أنَّ السيّدة الطاهرة (ع) لم تكن (عنده) حينها، وإنما كانت (بين الستر والباب) فهي غير مشمولة لخطاب جبرئيل (عليه السلام) من الأساس.

وإن كان المقصود هو الثاني: فإنَّ هذا المقطع من الرواية – كما اتّضح – يتحدث عن حال الصديقة الزهراء (ع) حين أمر النبي (ص) بإخراج من كان عنده في الدار، وبما أنَّ فيهم الأجانب من الرجال، فلا عجب في أن تكون الزهراء (ع) حينها بين الستر والباب.

الإثارة السادسة: نكارة اشتمال الرواية على أمر النبي (ص) بالسكوت.

فقد ذكرت الرواية قول جبرئيل (ع) للنبي (ص): “هذا كتاب ما كنت عهدتُ إليك، وشرطتُ عليك، وشهدتُ به عليك، وأشهدتُ به عليك ملائكتي”، ومن الواضح أنَّ الخطاب موجَّه إلى رسول الله وليس لأمير المؤمنين (ع)، فهل كانت وصية إلى رسول الله (ص) ألا يحرّك ساكنًا؟ وكيف يكون ذلك وقد قاتل رسول الله (ص) وسفك دماء المشركين وأخرج اليهود؟!

الإجابة عن الإثارة السادسة:

وهذه الإثارة لا تقل عجبًا عن سابقاتها، فإنَّ هذا المقطع من الرواية الشريفة يشير إلى أنَّ هذه الوصية – التي نزل بها الملائكة كتابًا مسجّلًا – مما سبق أخذها على رسول الله (ص)، وأُخذَ عليه أن يبلِّغها، فهذا الكتاب كان معهودًا عليه (ص) ومشروطًا عليه بأن يبلّغه إلى أمير المؤمنين (ع)، وأن يقبل هو نفسه ذلك أيضًا – أي: أن يقبل بما سيجري على ابنته الصديقة (ع) وعلى وصيه (ع) – وأما متى كان هذا العهد قبل نزول الوصية كتابًا مسجلًا؟ لعلّه كان في عالم الذر، كما قد يستفاد من بعض الروايات الأخرى.

فالرواية الشريفة – كما هو ظاهر من سياقها – ناظرة إلى نفس الموضوع، وليس إلى موضوع آخر، وأنَّ هذه الوصية كما أُخذ على الوصي (ع) أن ينفّذها، فقد أُخذ على النبي (ص) أن يقبلها ويبلّغها، فهي أجنبية تمامًا عن سيرة النبي (ص) مع خصومه من الكفّار والمنافقين، كما فهم المستشكل.

الإثارة السابعة: انحصار خبر الوصية في رواية وحيدة.

وحاصل هذه الإثارة: إنَّ رواية الوصية المذكورة في الكافي هي الرواية الوحيدة في هذا الباب، ولا يوجد غيرها بنفس المضمون، وبما أنها ساقطة عن الاعتبار، فلا يبقى ما يصلح الاستناد إليه لإثبات أصل الفكرة.

الإجابة عن الإثارة السابعة:

وجوابنا عن هذه الإثارة: بأنَّ المستشكل إن كان يقصد من الوصية خصوص ما يرتبط بصبر أمير المؤمنين (ع) على مصائب الزهراء (ع)، فربما كانت هذه الدعوى صحيحة، ولكنَّ الأمر يستدعي مزيدًا من التحرّي والاستقصاء، ولا يمكن الجزم به بجرّة قلم أو بإطلاق الدعاوى في الفضاء، بل الذي يمكن الجزم به على العكس من ذلك تمامًا، لوجود بعض الأخبار الدالة على الوصية المذكورة، وعدم انحصارها في الخبر المذكور.

ومن هذه الأخبار: ما ورد مكرّرًا من إمساك أمير المؤمنين (عليه السلام) بتلابيب بعض منفّذي الهجوم على بيت الصديقة الطاهرة (ع)، ومصارحته له بأنه ما كان يتمُّ لهم ذلك لولا عهد من الله تعالى ووصية من نبيه (ص) [4].

على أننا لا نحتاج إلى تبرير صبر أمير المؤمنين (ع) على مصائب الصدّيقة الزهراء (ع) بخصوص هذه الرواية، إذ يكفينا وجود روايات عامة تثبت أن أمير المؤمنين (ع) كان مأمورًا بالصبر على ما يجري بعد وفاة رسول الله (ص).

وإذا كان الأمر كذلك، فرواية الوصية ليست رواية واحدة، بل هي روايات، وإنَّ نفس الشيخ الكليني (قده) الذي أورد هذه الرواية قد أوردها في باب بعنوان (أنَّ الأئمة عليهم السلام لم يفعلوا شيئًا ولا يفعلون إلا بعهد من الله)، وقد ضمّن الباب مجموعة من الروايات التي تثبت أنَّ تصرفات الأئمة (ع) إقدامًا وإحجامًا وقيامًا وقعودًا كانت بعهد إلهي ووصية من الله تعالى، وبعض روايات هذا الباب روايات صحيحة لا كلام فيها، وهذه الروايات العامة تكفي لإثبات أنَّ ما فعله أمير المؤمنين (ع) كان بعهد من الله تعالى.

أضف إلى ذلك: أنَّ روايات الوصية واردة في غير كتاب الكافي، وبأسانيد معتبرة أيضًا، ومنها ما رواه الشيخ الطوسي (قده) في كتاب الغيبة بسند معتبر عن ابن عباس [5]: قال رسول الله (ص) في وصيته لعلي: “يا علي، إنَّ قريشًا ستظاهر عليك، وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك، فإن وجدت أعوانًا فجاهدهم، وإن لم تجد أعوانًا فكفّ يدك واحقن دمك، فإنَّ الشهادة من ورائك، لعن الله قاتلك” [6].

بل أزيد الشعر بيتًا فأقول: إنَّ روايات الوصية لم ترد من طرقنا فقط، وإنما وردت حتى من طرق القوم ، فمثلًا: ورد عن النبي (ص) أنه قال لأمير المؤمنين (ع): “سيكون بعدي اختلاف أو أمر فإن استطعت أن تكون السلم – أي: المسالم – فافعل” [7]، رواها أحمد بن حنبل في مسنده، وعلّق الهيثمي في مجمع الزوائد على سندها بقوله: (ورجاله ثقات) [8]، وأحمد شاكر في تحقيقه على مسند أحمد بن حنبل قال: (إسناده صحيح).

وروى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج عن يونس بن حباب عن أنس بن مالك: كنّا مع رسول الله (ص) وعلي بن أبي طالب معنا، فمررنا بحديقة فقال علي: يا رسول الله ألا ترى ما أحسن هذه الحديقة؟ فقال: إن حديقتك في الجنة أحسن منها. حتى مررنا بسبع حدائق يقول علي ما قال ويجيبه رسول الله بما أجابه، ثم إن رسول الله (ص) وقف فوقفنا فوضع رأسه على رأس علي وبكى، فقال علي: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني، فقال: يا رسول الله أفلا أضع سيفي على عاتقي فأبيد خضراءهم؟ قال: بل تصبر، فقال: فإن صبرت؟ قال: تلاقي جهدًا. قال: أفي سلامة في ديني؟ قال: بلى. قال: إذن لا أبالي [9].

والحاصل: فإنَّنا لا نحتاج من أجل إثبات أنَّ أمير المؤمنين (ع) كان مأمورًا بالصبر على مصائب الزهراء (ع) إلى خصوص تلك الرواية، بل تكفينا الروايات العامة، فإنها تثبت أن وظيفته كانت الصبر في كل ما يجري عليه (ع)، ومن ذلك ما جرى على الصديقة الطاهرة (ع).

فالغمز في سند الرواية المذكورة من العبث بمكان.

الإثارة الثامنة: تضعيف ابن المستفاد.

إنَّ سند رواية الوصية سند ضعيف، لضعف راويها الأول: عيسى بن المستفاد، فقد قال عنه سيد الطائفة السيد الخوئي (قده) في معجم الرجال: ((قال النجاشي: “عيسى بن المستفاد أبو موسى البجلي الضرير، روى عن أبي جعفر الثاني عليه السلام ولم يكن بذاك، له كتاب الوصية، رواه شيوخنا… وهذا الطريق طريق مصري فيه اضطراب.

وقال ابن الغضائري: ” عيسى بن المستفاد البجلي أبو موسى الضرير، ذكر له رواية عن موسى بن جعفر عليه السلام، وله كتاب الوصية لا يثبت سنده، وهو في نفسه ضعيف “.

روى عن موسى بن جعفر عليه السلام، وروى عنه علي بن إسماعيل بن يقطين. الكافي: الجزء 1، كتاب الحجة 4، باب أن الأئمة عليهم السلام لم يفعلوا شيئًا ولا يفعلون إلا بعهد من الله. 61، الحديث 4. وطريق الشيخ إليه ضعيف)) [10].

الإجابة عن الإثارة الثامنة:

ويُجاب عن كلامه ببيان أمور:

الأمر الأوّل: إنَّ المدار في التضعيف والتوثيق ليس هو كلام السيد الخوئي (قده) فحسب، فإنَّ كلامه وإن كان عظيمًا جليلًا يشترى بأغلى الأثمان، ولكن يبقى ذلك رأيًا اجتهاديًا له، فربّما وافقه آخرون فيه وربّما خالفوه، وبالتالي فإذا كان المدار على كلمات الأعلام في توثيق الرواية وتضعيفها فكما أنَّ السيد الخوئي (قده) قد ضعّف الرواية لتضعيفه لعيسى بن المستفاد، فإنَّ غيره من الأعلام قد وثّقوها، ومنهم: العلامة المجلسي (قده) حيث قال عن سند الرواية: (ضعيف على المشهور، لكنه معتبر أخذه من كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد، وهو من الأصول المعتبرة) [11].

وعليه، فإذا كان المدار على كلمات الأعلام فهذه كلمة عالم مقابلة لكلمة السيد الخوئي (قده)، فلم نجعل كلام السيد الخوئي هو المعوَّل عليه دون كلام الشيخ المجلسي؟! والذي ينبغي من المتصدي لتحقيق هذه القضايا أن يكون مجتهدًا فيها، لا أن يكون مقلّدًا لغيره.

الأمر الثاني: إنَّ وثاقة ابن المستفاد محل خلاف بين الأعلام، فإنَّ المشهور وإن مالوا إلى تضعيفه، إلا أنَّ البعض قد مال إلى وثاقته، بدعوى: أنَّ منشأ التضعيف لعيسى بن المستفاد هو عبارة عن أمور لا تخلو من نظر، وهي:

  1. تضعيف العلامة الحلي (قده).
  2. تضعيف ابن الغضائري له أيضًا.
  3. التضعيف المستفاد من قول النجاشي (قده) عنه: “ولم يكن بذاك”.

وقد تعقبوا هذه المناشئ الثلاثة فقالوا:

1/ أما تضعيف ابن الغضائري: فلا يعوَّل عليه، باعتبار أن الكتاب الواصل إلينا من ابن الغصائري لم يثبت أنه كتابه، وفي ذلك مناقشات مفصَّلة مذكورة في محلّها من علم الرجال.

2/ وأما بالنسبة إلى تضعيف العلامة: فإنَّ نفس السيد الخوئي (قده) الذي اعتمد عليه المستشكل يصنّف توثيقات العلامة وتضعيفاته ضمن توثيق وتضعيف المتأخرين، فلا يعوِّل عليها.

على أنَّ من المحتمل جدًا أن يكون منشأ تضعيف العلامة (قده) هو فهمه التضعيف من عبارة الشيخ النجاشي المتقدمة، وسيتّضح ما فيها.

3/ وأما عبارة الشيخ النجاشي: فإنها لا تثبت التضعيف، بل قد فهم منها غير واحد من أعلام الفن أنها تفيد التوثيق، بدعوى أنَّ قوله: (ليس بذاك) يريد به أنه لم يكن في المرتبة العليا من الوثاقة، وبالتالي فهو إقرارٌ بوثاقته مع الإشارة إلى أن مستوى وثاقته ليس على حدّ مستوى وثاقة غيره، فالتعبير المذكور على غرار قولهم: ليس بذلك الثقة، وليس بذاك الوجه.

وهذا قول عدّة من علماء الرجال، ومنهم السيد الكاظمي (قده) صاحب عدّة الرجال، وفاقًا لأستاذه الوحيد البهبهاني (قده) في التعليقة، ووافقهما خاتمة المحدثين الشيخ النوري (قده) في خاتمة المستدرك [12].

الأمر الثالث: إنَّ الذي يظهر من قدماء الأصحاب هو اعتماد غير واحد منهم على كتاب الوصية لابن المستفاد، فمنهم الشيخ الكليني (قده) كما اتّضح، ومنهم السيد الرضي (قده) في كتاب الخصائص، ومنهم السيد ابن طاووس (قده) في كتاب الطرائف، فإنه قد أكثر من النقل عنه في أكثر من ثلاثين موردًا.

والحاصل: فإنَّ هذه الرواية – على ضوء المعطيات التي ذكرناها – لا يصح الطعن فيها بضرس قاطع، لا سيما وأنَّ المستشكل يراها مجرّد رواية تاريخية! كيف وقد اتّضح مما سبق أنَّ روايات الوصية لا تنحصر فيها، بل هي متعددة ومستفيضة.

الإثارة التاسعة: معارضة رواية سليم بن قيس.

ورد في كتاب سليم بن قيس أنَّ النبي (ص) قال مخاطبًا أمير المؤمنين (ع): “فإن وجدت أعوانًا عليهم فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك، فإن لم تجد أعوانًا فاصبر وكفّ يدك ولا تلقِ بيدك إلى التهلكة” [13]، وهذا يعني أنَّ أمير المؤمنين (ع) كان مأمورًا بجمع الأعوان ومجاهدة الأعداء، لا بالصبر على كلّ حال كما تصوِّر رواية الوصية.

الإجابة عن الإثارة التاسعة:

وهذه الإثارة في غاية الوهن، فإنَّ هذه الرواية لا تعارض تلك، بل تؤيّدها وتؤكِّد مضمونها وتبيِّن لبَّها؛ إذ أنَّ هذه الرواية قد وردت بصيغة الشرطية، حيث قالت: (إن وجدت أعوانًا فجاهد، وإن لم تجد أعوانًا فكفّ يدك)، وأما ما الذي سيتحقق بعد وفاة رسول الله (ص)؟ هل سيجد أمير المؤمنين (ع) أعوانًا أم لن يجد؟ فالرواية ساكتة عن ذلك، بينما رواية الوصية تبيّن أنَّ الشق الذي سيتحقق من الشرطية هو أن أمير المؤمنين (ع) لن يجد أعوانًا، وبالتالي فهو مأمورٌ من السماء بالصبر.

ولعمري كيف يتحقق التعارض بين الدليل الساكت والدليل الناطق؟! إنه لأمرٌ عجابٌ.

الإثارة العاشرة: نكارة استنصار أمير المؤمنين (ع) مع كونه مأمورًا بالصبر.

ورد في كتاب سليم بن قيس أنَّ أمير المؤمنين (ع) طاف بالصديقة الزهراء (ع) والحسنين (ع) فلم يدع أحدًا من أهل بدر وأهل السابقة إلا استنصره، فلم يستجب له إلا أربعة: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير، فقال: (لو وجدت أعوانًا أربعين رجلًا من المهاجرين والأنصار من أهل السابقة لناهضت هذا الرجل) [14]، وهذه الرواية تثير عدة إشكالات، بعضها يرتبط بمقصدنا – وهو خبر الوصية – وبعضها على هامشه.

أما الإشكال الأصلي فهو: كيف يصح من أمير المؤمنين (ع) أن يطلب النصرة من الأنصار، والحال أنَّه مأمور بالصبر؟

وأما الإشكالات الفرعية فهي عديدة:

  • الأوّل: كيف يجتمع إخراج أمير المؤمنين (ع) للصدّيقة الزهراء (ع) مع ما يقال من أنَّها لم يكن يُرى لها ظل؟
  • الثاني: إنَّ الأربعة الذين ذكرتهم الرواية كانوا منذ البداية مع أمير المؤمنين (ع)، فأي معنى لطلب النصرة منهم؟
  • الثالث: أين كان بقية أصحاب أمير المؤمنين (ع) المخلصين، كعمار وحذيفة ومالك وأضرابهم؟
  • الرابع: إنَّ عدد الذين استجابوا له أربعة أم ثلاثة، كما روى اليعقوبي؟
  • الخامس: أين ذهب جميع المسلمين حتى لم يبقَ مع أمير المؤمنين (ع) سوى ثلاثة؟! هذا غير طبيعي وغير مستساغ أبدًا!
الإجابة عن الإثارة العاشرة:

ونجيب أولًا عن الإشكال الأصلي فنقول: إنَّ هذه الرواية لا تنافي خبر الوصية بالصبر، إذ قد اتضح مما سبق: أنَّ تحديد أمير المؤمنين (عليه السلام) لوظيفته بعد شهادة النبي الأعظم (ص) هل هي المقاومة أم الصبر، منوطٌ بالواقع الموضوعي حينها، فإن توفّرَ الأنصار كانت الوظيفة هي المقاومة وإلا فالصبر، وإذا كان الأمر كذلك فإنّ ما صنعه (عليه السلام) من استنهاض المسلمين قد وقع في سياقهِ الطبيعي جدًا، إذ الهدف منه هو تحديد وظيفته الفعلية المنوطة بما يكون عليه موضوعها في الخارج، فلا ينافي خبر الوصية بالصبر إطلاقًا، بداهة أنَّ موضوع الوصية هو عدم وجود الأنصار، بينما موضوع شهر السيف هو وجود الأنصار، ولا سبيل لمعرفة الموضوع الفعلي منهما إلا بعد استنهاض المسلمين واستنصارهم، فإنهم لمَّا تخاذلوا علمَ (عليه السلام) – وهو العالم – بأنَّ وظيفته هي الصبر والسلم، فالتزم بذلك وقام بتطبيقه.

وأما الإشكالات الفرعية فنجيب عنها ببيان أمور:

أوّلًا: أمّا أنَّ الزهراء (ع) لم يكن يرى لها ظلٌ، فذلك إنما كان في الحالات الاختيارية، حيث كانت تقول: “خير للمرأة ألا ترى الرجال ولا الرجال تراها”، وأما في الحالات الاستثنائية فقد اضطرها الأمر للخروج ومخاطبة المسلمين، ومع ذلك فإنَّها قد خرجت حين خرجت بعد وفاة رسول الله (ص) ولكن في لمة من نسائها وبطريقة كانت تتحفظ بها على تمام حجابها، لأجل إقامة الحجة على قومها ليس إلا.

وهذا هو نفسه ما دعاها للخروج مع أمير المؤمنين (ع) محاطة به وبولديها سيدي شباب أهل الجنة (ع)، ولولا ما كان يتطلبه الموقف من خروجها، لأجل إقامة الحجة على قومها في مرحلةٍ هي من أحرج مراحل تاريخ الإسلام، لما كانت لتخرج إليهم.

وثانيًا: إنَّ هذه الرواية إنما تخبر عن قضية خارجية، وهي أنَّ أمير المؤمنين (ع) قد استنصر القوم وكانت الزهراء (ع) معه فلم يستجب له إلا أولئك الأربعة، وهذا لا ينافي أنهم كانوا من قبل ذلك مستجيبين له، إذ الغرض من هذا النداء المتجدّد هو إقامة الحجة على الناس، كما قد اتضّح، ولا يتمّ ذلك إلا بتوجيهه للجميع، {وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} [15].

وثالثًا: إنَّ رواية اليعقوبي في تاريخه إنما تتحدّث عن حادثة أخرى، حيث تقول: (واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له، فقال: اغدوا على هنا محلّقين الرؤوس، فلم يغدُ عليه إلا ثلاثة نفر) [16]، فهذه تتحدث عن اجتماع جماعة يطلبون البيعة، وقد أمرهم (ع) لاختبار صدقهم أن يغدوا عليه محلقين رؤوسهم، فما استجاب منهم إلا ثلاثة فقط، بينما تلك تتحدث عن قضية استنصار أمير المؤمنين (ع) ابتداءً للأنصار، ولا منافاة بينهما أبدًا بعد اختلاف موضوعيهما؛ إذ أنَّ اتحاد الموضوع هو إحدى الوحدات الثمان المعتبرة في تحقق التنافي بين القضيتين، كما ذكروا في علم المنطق.

ورابعًا: إننا لا نستطيع الجزم بموقف مالك وحذيفة وعمار وأمثالهم، فإنَّ مثل هذا الجانب المسكوت عنه في القضايا التاريخية الخارجية ممّا لا تمكن محاكمته، إلا أن نحيط خبرًا بأن هؤلاء كانوا موجودين حين بويع أمير المؤمنين (ع) بهذه البيعة وقال لهم اغدوا عليّ محلّقين ومع ذلك لم يستجيبوا، فحينئذ يمكننا أن نحاكم موقفهم، بينما نحن لا نعلم ماذا كانت الظروف، وأين كان هؤلاء، ولماذا لم يستجيبوا ها هنا، فكيف نحاكم الجانب المسكوت عنه؟! إن هذا إلا خلاف المنهج العلمي في تحقيق القضايا التاريخية.

وخامسًا: إنَّ من المقطوع به هو أنَّ الذين استقاموا بعد وفاة النبي (ص) كانوا قلّة، وقد صرّح القرآن الكريم بوجود انقلاب عام في قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} [17]، فلا معنى حينئذ لاستبعاد قلّة عدد أنصار أمير المؤمنين (ع) واعتباره غير مستساغ.

والحمد لله ربِّ العالمين


الهوامش:

[1] الكافي: ج1، ص282.

[2] معجم رجال الحديث: 1 / 81.

[3] سورة العنكبوت: 47 و 48.

[4] لاحظ: كتاب سليم بن قيس: 150، فقد جاء فيه: (فَاسْتَقْبَلَتْهُ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ، وَصَاحَتْ: يَا أَبَتَاهْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ، فَرَفَعَ اَلسَّيْفَ وَهُوَ فِي غِمْدِهِ فَوَجَأَ بِهِ جَنْبَهَا فَصَرَخَتْ، فَرَفَعَ اَلسَّوْطَ فَضَرَبَ بِهِ ذِرَاعَهَا فَصَاحَتْ: يَا أَبَتَاهْ، فَوَثَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَأَخَذَ بَتَلاَبِيبِ.. ثُمَّ هَزَّهُ فَصَرَعَهُ وَوَجَأَ أَنْفَهُ وَرَقَبَتَهُ، وَهَمَّ بِقَتْلِهِ فَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَمَا أَوْصَى بِهِ مِنَ اَلصَّبْرِ واَلطَّاعَةِ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي كَرَّمَ مُحَمَّدًا بِالنُّبُوَّةِ، يَا اِبْنَ.. لَوْلاٰ كِتٰابٌ مِنَ اَللّٰهِ سَبَقَ لَعَلِمْتَ أَنَّكَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتِي).

[5] قال: (أخبرنا ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن أبي القاسم البرقي، عن محمد بن علي أبي سمينة الكوفي، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن عبد الله بن عباس).

[6] كتاب الغيبة: 193.

[7] مسند أحمد بن حنبل: 1 / 469.

[8] مجمع الزوائد: 7 / 234.

[9] شرح نهج البلاغة: 4 / 107.

[10] معجم رجال الحديث: 14 / 224.

[11] مرآة العقول: 3 / 193.

[12] خاتمة المستدرك: 8 / 287.

[13] كتاب سليم بن قيس: 134.

[14] كتاب سليم بن قيس: 302.

[15] سورة العنكبوت: 11.

[16] تاريخ اليعقوبي: 2 / 116.

[17] سورة آل عمران: 144.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *