هل حديث (وفاطمة حجة الله علينا) صحيح؟

 س: من الملاحظ أن حديث (فاطمة حجة الله علينا) من الأحاديث المشهورة جدًا عند علماء الشيعة وعوامهم في عصرنا الحاضر، حيث توجد استفتاءات متعددة للمراجع العظام حول معناه ودلالته، ولكن عندي تساؤلان:

١- هل يمكن الاطمئنان بصدوره مع أنه إنما ورد في مصدر متأخر جدًا، بل معاصر لنا، وهو كتاب أطيب البيان للسيد الأصفهاني؟

فقد يقال: لو كان الحديث واردًا مرسلًا عن عالم في القرن العاشر أو الحادي عشر مثلًا لأمكن الاطمئنان به لأننا نحتمل أنه أخذه من كتب لم تصلنا، وأما في زماننا -حيث اشتهرت الكتب وانتشرت- فمن الصعب الركون لمثل هذا الاحتمال، فإذا كان السيد الأصفهاني قد نقله عن كتاب مخطوط فأين هو؟ هل تلف بهذه السرعة مع أن أبناءه المباشرين ربما لا يزالون موجودين؟ ليس هذا الاحتمال مستحيلًا، ولكنه بعيد، ومعه كيف السبيل للاطمئنان بصدور هذا الحديث؟

٢- ذكر بعض الباحثين المعاصرين أن الحديث متواتر معنى، فهل ترون لهذه الدعوى وجهًا؟ لعله ناظر إلى أخبار مصحف فاطمة (ع)، ولكن هل مجرد كون مصحف فاطمة مصدرًا من مصادر علومهم (ع) فيما يرتبط بعلم المنايا والبلايا يجعله حجة عليهم؟ وأي معنى للحجية هنا؟ أي كيف يحتج الله تعالى عليهم بما ورد في مصحف فاطمة من أخبار وأحداث ستجري عليهم؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم ، وبمدد أوليائه ( عليهم السلام ) أستعين .

لقد بحثتُ شخصياً عدة مرّات عن مصدر الحديث المتداول : ( نحن حجج الله على خلقه ، وجدتنا فاطمة حجة الله علينا ) ، ولكنني لم أقف على مصدر له سوى التفسير المسمّى بـ ( أطيب البيان في تفسير القرآن ) الجزء ١٣ الصفحة ٢٢٥ ، وقد عبَّر عنه – بحسب تعريبي – بـ ( الحديث الشريف المنسوب للإمام العسكري عليه السلام ) .

وقد سألتم عن إمكان الاطمئنان بصدوره رغم كون مصدره من المصادر المتأخرة ، وظهر لي من تضاعيف سؤالكم استصعابكم للاطمئنان بصدوره ، فضلاً عن دعوى تواتره .

والذي يمكنني قوله – في مقام الإجابة عما سألتم عنه – أمور :

١ . الأمر الأوّل : إنّ الاطمئنان بالصدور أمر شخصي ، وبالتالي فهو يختلف باختلاف الأشخاص ، فربّ شخص يحصل له الاطمئنان بتوفر قرينة أو قرينتين وربّ شخص لا يحصل له ذلك إلا بتراكم القرائن وتضاعفها .

٢ . الأمر الثاني : لعلّ المقصود من سؤالكم هو الاستفهام عن ( إمكان الصدور ) ، ولعلّه الأنسب ببعض الإثارات الواردة في السؤال ، والذي يبدو هو صحة الإجابة بالإيجاب .

وذلك لثلاثة منبهات :

أ – الأوّل : جلالة المؤلف علماً وعملاً ، فإنّ مؤلف التفسير المذكور هو ( السيد عبد الحسين الطيّب الإصفهاني ) ، وبحسب ما جاء في ترجمته : فإنه كان فقيهاً مجتهداً ، وزاهداً ورعاً ، وبارعاً في الوعظ والتفسير .

ب – الثاني : اهتمام المؤلف بالأخبار المعتبرة ، فقد ذكر الباحث ( السيد محمد علي إيازي ) في كتابه ( المفسرون حياتهم ومنهجهم ) – الجزء ١ الصفحة ٢١٠ – عند حديثه حول تفسير ( أطيب البيان ) ما هذا نصه : ( ومن حسنات هذا التفسير عناية المؤلّف بتخريج الصحيح من الأخبار ، وبيان من رواها عن طريق أهل البيت عليهم السلام ، ولا يأخذ من الضعيف ) .

وهذا المنبّه يدل على أنّ منهج المؤلف هو الاهتمام بالاستناد إلى الأحاديث المعتبرة .

ج – الثالث : وفرة التراث المخطوط ، وهذه الحقيقة لا يمكن تجاهلها بحال ، فإنّ التراث الشيعي المخطوط في المكتبات العامة والخاصة لا زال كثيراً وكبيراً ، مما يمنعنا – فيما لو وصلنا حديث عن طريق أحد العلماء الثقات الأثبات – من المبادرة إلى الحكم عليه بالوضع والاختراع ، ويسمح لنا أن نحتمل وجوده في شيء من تراثنا المخطوط ، ما دمنا لم نقف عليه فيما بين أيدينا من المصادر .

ولسنا نُرجِع جهالة المصدر – في مثل ما نحن فيه – إلى تلفه أو ضياعه ، وإنما لعدم تصريحه به في كتابه ، وعدم معرفة غيره بالمصادر التي اعتمد عليها ورجع إليها ، وهذا لا بعد فيه .

٣ . الأمر الثالث : إنّ دعوى التواتر في مثل هذا الحديث لا شكّ أنّ مقصود مدعيها بها هو خصوص التواتر المعنوي ، وهي من الإمكان بمكان ، ولكنّ صحتها تدور مدار أمرين :

١ – الأوّل : استظهار معنى معيّن – من الحديث المدّعى تواتره – استظهاراً عرفياً مقبولاً .

٢ – الثاني : إثبات اشتراك الحديث المُدّعى تواتره مع أحاديث أخرى – يبلغ مجموعها درجة التواتر – في المعنى المُستظهَر .

وإثباتُ هذين الأمرين منوطٌ بعهدة مدعي التواتر ، فإن أثبتهما كانت دعواه وجيهة إثباتاً ، بعد أن كانت ممكنة ثبوتاً .

٤ . الأمر الرابع : إنّ المقصود بالحجيّة على ضوء رأي مَن فسّرها بالحجيّة العلمية – كسيدنا الأستاذ الروحاني ( دام ظله العالي ) في ( أجوبة المسائل ) ١ / ٢٦٢ – هو الحجيّة بمعناها اللغوي ، أي : ما يحتج به ، فإنَّ مصحفها الشريف ( عليها السلام ) إذا كان مصدراً من مصادر علومهم ( عليهم السلام ) حتى في شؤون التشريع ، كما هو مفاد العديد من الروايات – لا في خصوص علوم البلايا والمنايا – كان ذلك كافياً لوصفها بـ ( الحجيّة ) ، فتكون حجيتها على غرار حجيّة القرآن الكريم ، والله العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *