أسئلة حول آية الولاية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سماحة السيد لقد مرّت علينا عن قريب ذكرى التصدق بالخاتم، وفيها عدتُ بذاكرتي إلى المحاضرات التي ألقيتموها في ليالي أمير المؤمنين عليه السلام في شهر رمضان الفائت، وحينئذٍ ثارت في ذهني بعض الإشكالات حول بعض ما ذكرتموه:


السؤال الأوّل

من جملة القرائن التي ذكرتموها لإثبات نزول الآية المباركة في أمير المؤمنين عليه السلام دعوى الإجماع في لسان بعض علماء العامة، حيث استشهدتم بكلمات الشريف الجرجاني وسعد الدين التفتازاني، وعلى ما في بالي فإن هذين العالمين من علماء الأشاعرة، فما قيمة كلماتهما لدى الوهّابية؟ من المعلوم أن التشكيك في فضائل أهل البيت عليهم السلام وفي ولايتهم غالبًا ما يكون مصدره ابن تيمية وأتباعه، وهم ليسوا من الأشاعرة، فهل لشهادة علماء الأشاعرة قيمة عندهم لتصح هذه القرينة أم لا؟

 

بسمِ الله الرحمن الرحيم ، وبمددِ أوليائهِ أستعين

أولاً : إنَّني في محاضرتي لم أكن بصدد الرد على خصوص الوهابية ؛ ليقال : إنَّ الاحتجاج بكلام الجرجاني والتفتازاني لا يلزمهم .

وثانياً : حتى لو كنت بصدد الرد على هؤلاء ، فمن المفترض أن يكون كلام الجرجاني والتفتازاني ملزماً لهم أيضاً؛ لدعواهم عدم اختلافهم عن سائر المسلمين وشذوذهم عنهم ، ومن المعلوم أنَّ الاتجاه الأشعري في العقائد هو الاتجاه السائد عند أهل السنة ، بل إنَّ نفس ابن تيمية – في مجموع الفتاوى 4 / 15 و 16  – قد نقل عن الفقيه أبي محمد فتوى وصفها بقوله : ” فيها أشياء حسنة ” ، وقد جاء فيها : ” والعلماء أنصار فروع الدين ، والأشعرية أنصار أصول الدين ” .

وثالثاً : إنَّ أمر التشكيك بفضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) لا ينحصر بخصوص الوهابية ، بل يصدر من غيرهم أيضاً ، ويكفيك أنَّ الجرجاني والتفتازاني رغم نقلهما الإجماع على نزول آية التصدق في أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، إلا أنهما قد بذلاً جهدهما من أجل التشكيك في دلالة النص .


السؤال الثاني

في إشكال الرازي على إفادة “إنما” للحصر من خلال التمسك بقوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} [يونس : 24] ذكرتم بأن هذا الحصر إضافيٌ بلحاظ صفة الزوال المشتركة بين الدنيا وبين الماء النازل من السماء، ولكن الملاحَظ على هذا الجواب أن هناك أمورًا أخرى تتصف بسرعة الزوال، كالسحاب مثلاً، حيث يقال في المثل المشهور مثلاً: سحابة صيفٍ عن قريب تقشع، وعلى هذا فإن الإشكال يبقى قائمًا، طبعًا هذا لا يعني أن “إنما ” لا تفيد الحصر أبدًا، بل هي تفيد ذلك بدليل التبادر والإجماع كما ذكرتم، ولكنها لا تفيد – على فرض تمامية الإشكال المذكور – الحصر دائمًا، بل قد لا تفيده أحيانًا.

 

بسمِ الله الرحمن الرحيم ، وبمددِ أوليائهِ أستعين

بعد نفي الشك عن إفادة ( إنما ) للحصر ؛ للتبادر وإجماع أهل اللغة – كما أشرتم – يتعين حملها على ذلك ما لم تقم قرينة على الخلاف ، وبما أنَّها قد وردت في قوله ( تبارك وتعالى ) : ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ) ، ولدينا قرينة خارجية قائمة على عدم انحصار المثل فيما ذكرته الآية ؛ لذلك احتجنا أن نحملها على الحصر الإضافي ، ولولا القرينة الخارجية لم يصح هذا الحمل .

وعليه : فلا يصح إشكال الرازي بوجه ؛ إذ أنه قد خدش في دلالة ( إنما ) على الحصر اعتماداً على الآية المتقدمة ، مع أنه مما لا يصح ، بداهة أنَّ رفع اليد عن ظهور كلمة في معناها بسبب احتفافها ببعض القرائن ، لا يصحح رفع اليد عن ظهورها في ذلك المعنى بطور كلي ، وإن لم تكن محفوفة بقرينة صارفة .

 


السؤال الثالث

النقطة الأساسية التي يقوم عليها الاستدلال بالآية المباركة هو تحديد معنى الولاية فيها، وقد ذكرتم طريقين لإثبات أن المقصود بالولاية في الآية الأولوية، وهما الانصراف والحصر، ويلاحَظ على هذين الطريقين أنهما قابلان للنقاش، إذ لقائل أن يدعي أن معنى الولاية ينصرف – بسبب كثرة الاستعمال – إلى المحبة والنصرة لا إلى الأولوية، وله أن يتمسك بالعديد من الآيات التي تتحدث عن تولي المؤمنين والبراءة من المشركين والتي يفهم منها أن المقصود هو المحبة والنصرة، وعلى هذا فإن الانصراف المذكور مجرد دعوى يمكن مقابلتها بدعوى أخرى تناقضها.

وأما الحصر فيمكن مناقشته بأن يقال بأن الآية ليست إخبارًا بل هي إنشاءٌ، أي أنها تأمر المؤمنين بألا يحبوا وألا ينصروا إلا الله ورسوله والذين آمنوا، وألا يتخذوا جهة أخرى غير المذكورين في الآية المباركة أولياء، بمعنى ألا ينصروا أحدًا ولا يحبوا أحدًا سوى الله ورسوله والمؤمنين.

وإذا تم ذلك فيمكن أن يقال بأن إقام الصلاة وإيتاء الزكاة صفة للمؤمنين وليسا حالاً، والمقصود بالركوع هو الخشوع، فلابد من إثبات أن المقصود بالولاية في الآية هو الأولوية وإلا فإن الاستدلال بها يسقط من أساسه، فكيف نجيب عن الإشكالات المذكورة؟

 

 

بسمِ الله الرحمن الرحيم ، وبمددِ أوليائهِ أستعين

إذا التزمنا بتمامية المقدمتين التاليتين ، يتعين أن يكون المقصود من الولاية في الآية الكريمة هو أولوية التصرف ، وهما :

المقدمة الأولى : نزول الآية الكريمة في حادثة تصدق أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حال ركوعه في الصلاة .

المقدمة الثانية : ظهور أداة ( إنما ) في الحصر .

إذ على ضوء هاتين المقدمتين يتضح : أنَّ الآية الشريفة إنما هي في مقام الإخبار والحكاية عن قضية خارجية ، وهي تصدق أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالخاتم حال ركوعه في صلاته ، وبما أنها قد وصفته بـ ( الولي ) ، وحصرت الوصف فيه – إلى جانب الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) – تعيّن أن يكون هو الولي بمعنى الأولى ؛ إذ بقية المعاني لا تتناسب مع أداة الحصر .

وحينئذ فحتى لو تنزلنا عن دعوى الانصراف ، وسلمنا : بأنها دعوى معارضة – ولا نُسلِّم – إلا أنَّ ذلك لا يوجب رفع اليد عن ظهور كلمة ( الولي ) في الأولى ؛ إذ أنَّ أداة الحصر – بعد الفراغ عن كون أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هو المقصود بالآية – معينة ومؤكدة للظهور المذكور .

وأما ما ذكرتموه في ذيل السؤال من حمل الآية على الإنشائية ، والوصفية دون الحالية ، فأقل ما يُقال فيه : إنه على خلاف الظاهر جداً ، بعد التسليم بتمامية المقدمة الأولى .

 


السؤال الرابع

قد يقال: لماذا لم ينتظر أمير المؤمنين عليه السلام أن يفرغ من صلاته ليتصدق على الفقير بعد ذلك بدلاً من أن يتصدق وهو راكعٌ أثناء صلاته؟! ألم يكن الأولى أن يكون مستغرقًا في صلاته إلى أن ينتهي منها ثم يبدأ في العبادة الثانية ألا وهي الصدقة؟

 

بسمِ الله الرحمن الرحيم ، وبمددِ أوليائهِ أستعين

إنَّ أحد أبعاد فضيلة تصدق أمير المؤمنين ( عليه آلاف التحية والثناء ) بالخاتم ، هو تصدقه به حال صلاته ، وقدرته على الجمع بين العبادتين في آن واحد ، من غير أن يتنافى ذلك مع انقطاعه واستغراقه – بل وفنائه – في ذات المعبود المتعال ، وقد أوضحتُ ذلك مفصلاً في نفس المحاضرة ، فلتُراجع .


السؤال الخامس

إذا كانت الإمامة منصبًا أصاليًا وليست منصبًا نيابيًا فما معنى وصفها بالخلافة في العديد من الرّوايات الشريفة؟! ألم يعبر النبي صلى الله عليه وآله عن أمير المؤمنين عليه السلام بأنه خليفته وعبر عن الأئمة المعصومين من ولده بأنهم خلفاؤه؟!

 

بسمِ الله الرحمن الرحيم ، وبمددِ أوليائهِ أستعين

لا منافاة بين أصالة المنصب والوصف بالخلافة ؛ إذ الأول ناشئ عن جهة استحقاقه للإمامة ، والثاني تعبير عن جهة تمثيله لمقام النبوة ، فأمير المؤمنين وأبناؤه المعصومون ( عليهم السلام ) أئمةٌ بالأصالة ، ويصح التعبير عنهم بالخلفاء مِن جهة تمثيلهم لمقام النبوة ، وكونهم يشكلون الامتداد له .


السؤال السادس

لماذا يشترط في السياق ألا يكون للآية ظهورٌ مستقلٌ في نفسها؟ في المحادثات العرفية عندما نربط الكلام بسياقه نفهم منه معنىً آخر غير المعنى الذي نفهمه لو فصلناه عن السياق، فلماذا لا يكون للسياق دورٌ كبيرٌ في تفسير الآيات المباركة؟ لماذا يعتبره العلماء أضعف القرائن الظهورية؟

 

بسمِ الله الرحمن الرحيم ، وبمددِ أوليائهِ أستعين

الفرق بين كلام أهل المحاورة وآيات القرآن الكريم : أنَّ كلام أهل المحاورة – في موارد التمسك بقرينة السياق – يكون كلاماً واحداً ومترابطاً ، بينما الآيات القرآنية قد نزلت نجوماً على دفعات ، بحسب ما تقتضيه المناسبة في كثير من الأحيان ، وبالتالي فليس من اللازم أن يكون هنالك ارتباط بين الآية وسابقتها أو لاحقتها ، مما يوجب كون القرينة السياقية بالنسبة للقرآن الكريم أضعف القرائن الظهورية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *