س : عند ملاحظة الخطاب القراني للنبي (ص) مرة جاء ب ( يا أيها الرسول) وأخرى جاء ب ( يا أيها النبي ) ، وربما يكون الأول لملاحظة التبليغ الذي يناسب الرسالة كما في : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } .
لكن الآية الثانية لم أفهم فيها التبليغ وهي:يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
هذا أولاً، وثانياً: وجدت الآيات التي تخاطب النبي (ص) ب (يا أيها النبي ) حسب الفرض أنه ليس فيها أمر يناسب الرسالة أو التبليغ بعضها يتحدث عن أمور تتعلق بأزواجه، والبعض الآخر تتعلق تتحدث عن الجهاد والحروب، وآخريات غير ذلك.
فالسؤال هو: هل الجهاد لا يرتبط بالرسالة؟ وكذلك بقية الأيات هل هي لا ترتبط بالرسالة؟
بسم الله الرحمن الرحيم ، وبمدد أوليائه أستعين
الأخ الكريم :
لا شك في أن ألفاظ القرآن الكريم ألفاظ منتقاة بمنتهى الدقة من ناحية تناسقها اللفظي والمعنوي مع مجموع المفردات التي تشتمل عليها الآيات الكريمة .
ونظراً لذلك فإنَّ اختيار القرآن لمفردة الرسول في موضع ، ومفردة النبي في موضع آخر ، ومفردة العبد في موضع ثالث ، لا بدَّ أن يخضع لنكتة معنوية أو لفظية أو صوتية إيقاعية .
ولعلَّ المتتبع للآيات الشريفة يلمس – من منطلق هذه النكتة – أنَّ القرآن لا يستخدم مفردة الرسول إلا فيما لو كان بصدد الحديث عن مهمة التبليغ وما يرتبط بها من الشؤون ، وبالالتفات لهذه الجهة ينحل الإشكال بالنسبة لقوله تعالى : ( يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ) فإن هذه الآية بصدد الحديث عن شأن من شؤون عملية التبليغ والتبشير والإنذار ، وأنه كيف ينبغي على القائم بهذه المهمة أن يتعامل مع حالات الرفض والتكذيب لمهمته التبليغية .
كما يتجلى الأمر أيضا بالنسبة للآيات المباركة التي خاطبت النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمفردة النبي ، وهي بصدد الحديث عن الجهاد ؛ إذ أنَّ الجهاد ليس من شؤون مهمة التبليغ ، وإنما هو مرتبط بمقام تطبيق ما تمَّ إبلاغه على وجه الأرض ، ومن الواضح أن مهمة التطبيق لا ترتبط بالنبي بما هو رسول ومبلغ ، وإنما بما هو منبأ عن الله تعالى ومتصل به ، فتدبر جيداً .
والحمد لله رب العالمين