س: الرواية التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، هي: رواية عامية، موجودة في كثير من مصادر العامة.
وقد ذكرها كثير من المحققين الشيعة في كتبهم، ولم يذكروا لها مصدر من مصادرنا، بل أخذوها من مصادر العامة (الأنوار الساطعة من الغراء الطاهرة، للشيخ غالب السيلاوي، المقصد الخامس، ص: ٢٣٨؛ أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، لعلي محمدعلي الدخيل، ص: ٣٤؛ إظهار الحق، جـ١٠/ ١٠٠).
نعم، قد ذكرها الشيخ الطبرسي في تفسيره “مجمع البيان”، في آخر تفسيره لسورة التحريم، دون ذكر مصدرها (مجمع البيان، جـ ١٠/ ٤٨٠).
والحاصل أن الرواية ذكرها علماء العامة في مصادرهم، وذكرها علماؤنا عن مصادرهم، بعضهم ذكرها دون مصدرها.
وأما مضمون هذا الحديث فمرويٌ في كتبنا.
فقد روى الصدوق قدس سره، عن ابن عباس، قال: خطّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربع خطط في الأرض، وقال: أتدرون ما هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل نساء [أهل] الجنة أربع: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون (الخصال، جـ١/ ٢٠٥).
وعن أبي الحسن الأوّل عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم…..واختار من النساء أربعاً: مريم وآسية وخديجة وفاطمة…. (الخصال، جـ ١/ ٢٥٥).
ونقلها عنه العلامة المجلسي قدس سره في بحاره، جـ٤٣/ ١٩.
وحاصل هاتين الروايتين، أن الله سبحانه وتعالى اختار هؤلاء النساء الأربع، وفضلهن على نساء أهل الجنّة.
وفي الحديث الأول: “أفضل نساء [أهل] الجنة……..”: دلالة واضحة على أفضلية هؤلاء النساء على جميع النساء، لأن نساء أهل الجنة هم أفضل نساء الدنيا والآخرة، من الأولين والآخرين.
فالسؤال: هل خديجة ومريم وآسية عليهن السلام أفضل من زينب وآمنة بنت وهب وفاطمة بنت أسد والسيدة المعصومة عليهن السلام؟
الجواب
ج: لقد سبق لي أن تحدثت في إحدى المناسبات حول هذه الروايات المشهورة على الألسنة ، وأوضحت أنها غير ناهضة لإثبات التفضيل .
وتفصيل ذلك :
1/ أما الروايات التي جاءت بلسان ( كمل من الرجال كثير .. ) : فلأنّ مصدرها هي كتب أهل الخلاف ، وكل أسانيدها – كما في الصحيحين ومسند أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة – تنتهي إلى أبي موسى الأشعري ، وحاله أوضح من أن يخفى .
2/ وأما الرواية التي نقلها الشيخ الطبرسي طاب ثراه في المجمع : فلأنها عامية أيضاً ، بقرينة إسناده لها إلى أبي موسى ، وليست هي الرواية الوحيدة التي ينقلها عن كتبهم ، كما لا يخفى على من لاحظ المجمع .
3/ وأما رواية الخصال : فهي عامية أيضاً ، وقد رواها أحمد في مسنده ج 1 ص 322 ، ويشهد لعاميتها سندها ، فإنّ الشيخ الصدوق قد رواها بسندين :
- الأول : عن ( محمد بن علي بن إسماعيل ) وهو أبو بكر القفال الشاشي شيخ الشافعية .
- والثاني : عن ( سليمان بن احمد بن أيوب اللخمي ) وهو الطبراني الحافظ ، وقد ذكره الذهبي في كتابه ( العبر في خبر من غبر ) ج 2 ص 321 وأطراه .
4/ وأما خبر الإمام أبي الحسن عليه السلام ، فهو ضعيف السند جداً .
- بوقوع ( الحسن بن علي بن ابي عثمان ) في سلسلته ، وقد قال عنه الشيخ الكشي طاب ثراه في رجاله – كما ينقل عنه ابن داود الحلي طاب ثراه في الرجال ص 238 – ( عليه لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين ، لقد كان من العليائية الذين يقعون في رسول الله صلى الله عليه وآله ، وليس له في الإسلام نصيب .. ) .
- وكذا بوقوع ( بكر بن صالح ) في نفس السلسلة ، وقد حكم الشيخ النجاشي طاب ثراه في رجاله بضعفه ، وقال عنه ابن الغضائري ( ضعيف جداً ) ، وتبعه العلامة الحلي طاب ثراه في خلاصة الأقوال ، كما حكم بضعفه السيد أحمد بن طاووس طاب ثراه في حل الإشكال ، بحسب ما نقله عنه في التحرير الطاووسي ص 447 .
- وكذا بوقوع ( أبي عبد الله الرازي ) في نفس السند أيضاً ، وهو محمد بن أحمد الجاموراني ، وقد ضعفه القميون ، واستثنوا من كتاب نوادر الحكمة ما رواه ، كما نبه الشيخان الطوسي والنجاشي طاب ثراهما ضمن ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى على ضعفه .
فظهر أنّ جميع تلكم الروايات عارية عن الحجية ، فلا يمكن الاستناد لشيء منها لإثبات المدعى المذكور .
وعلى ذلك ، فإن قام الدليل على تفضيل واحدة من الأربع – كما هو الحال بالنسبة للصديقة الزهراء عليها السلام – فهو ، وإلا فإنّ هذه الروايات قاصرة عن إثبات التفضيل ، والله العالم .
مواضيع ذات صلة: