س: عند الاطلاع على التراث الروائي لمدرسة أهل البيت عليهم السلام في النساء نجد ذمًا واضحًا، مثلًا في الوسائل:
- باب كراهة إنزال النساء الغرف وتعليمهن الكتابة وسورة يوسف.
- باب استحباب معصية النساء وترك طاعتهن ولو في المعروف وائتمانهن.
- باب كراهة استشارة النساء إلا بقصد المخالفة.
كيف نوجه هذه الروايات وكيف نتعامل معها؟ وكيف نجيب النساء القائلات بأن هذا فيه امتهان للمرأة وسحق لكرامتها؟
الجواب
ج: ابتداءً لا بدَّ من الاعتراف بأننا لا نستطيع أن نجزم بمقصود المعصوم (عليه السلام) من الروايات المذكورة في السؤال، إن ثبت صدورها عنه، ولكننا سنحاول بفهمنا القاصر استظهار بعض المعاني منها.
١. أما بالنسبة للطائفة الأولى: فمن المحتمل أنّ المراد بالغرفة – التي تُجمع على غرف – هي الغرفة التي تكون في أعلى البيت – كما صرَّح بذلك بعض اللغويين – بحيث أنّ الجالس فيها يتمكن من رؤية الآخرين والتواصل معهم بطريق أو بآخر، فَنُهيَ عن إنزال النساء فيها، تجفيفاً لطمع مرضى النفوس في الوصول إليهنَّ، وسدّاً لبابٍ من أبواب الفتنة الاجتماعية.
٢. وأما النهي عن تعليم سورة يوسف: فيظهر بعد احتمال أنّ المقصود بالتعليم هو الشرح والتفسير، لا مجرّد التلاوة، وبعد ملاحظة الروايات المقابلة لها، وهي التي تحث على تعليم المرأة سورة النور، لما فيها من دروس العفة والاحتشام: أنَّ السبب وراء النهي المذكور هو تجنيب الفتاة المرور بقصة زليخا ونساء عصرها مع نبي الله يوسف (عليه السلام)؛ إذ لعلّها تثير فضولها لمتابعة تفاصيل القصة وما ورائياتها، وتدفعها للاهتمام بنظيراتها من قصص الحبّ والغرام ومآلاتها، وهو ما أراد الأئمة (عليهم السلام) تجنيبها الوقوع فيه، حفاظاً على عفتها واحتشامها.
ويؤيّد هذا الاستظهار تعليل النهي عن تعليم سورة يوسف في بعض الروايات بأنَّ (فيها الفتن)، وتعليل الحث على تعليم سورة النور بأنّ (فيها المواعظ).
٣. وأما النهي عن تعليم الكتابة: فمن المحتمل أنّها كذلك لا موضوعية لها، بل لعلّه – بعد الالتفات إلى عدم حاجة المرأة للكتابة في ذلك العصر – كان نهياً إرشادياً، بهدف سدّ باب التواصل بين الجنسين؛ لكون الكتابة آنذاك كانت الوسيلة الأبرز للتواصل بينهما في ظلّ الرقابة الاجتماعية الصارمة، ويمكن تأكيد هذا الفهم بمقابلة هذا النهي – في عدّة من الروايات – بالحثّ على تعليم النساء سورة النور، لنفس النكتة التي أوضحناها سابقاً.
٤. وأما بالنسبة للطائفة الثانية: فالظاهر أنها ناظرة لغلبة العاطفة عند المرأة في أوقات الحاجة إلى التجرد عنها، من أجل اتخاذ القرار المناسب في الموقع المناسب، فمثلاً لو أراد الشخص أن يخرج للجهاد – كمصداق للمعروف – قد تَحول المرأة بينه وبين ذلك؛ خوفاً على نفسها وأسرتها، من غير أن تفكّر في مصلحة الدين والأمة، ولا شك أنّ الراجح حينئذ عصيانها وترك طاعتها في مثل ذلك.
٥. وأما بالنسبة للطائفة الثالثة: فالظاهر أنها أيضاً تعود لنفس النكتة السابقة، مضافاً لضعف خبرويتها – بحسب طبيعة العلاقات في ذلك العصر – فيما يرتبط بطبيعة العالم الرجالي، وشبكة العلاقات العامة، مما يجعل استشارتها مرجوحة فيما يرتبط بالقرارات المصيرية أو المهمة غير المرتبطة بعالمها الخاص، نظراً لذينك الأمرين.
ولأنّ رأيها فيما يرتبط بعالم الرجال وعلاقاته المعقدة غالباً ما يجانب الصواب؛ لعدم خبرويتها به بحسب ما يفترضه الدين لها من اجتناب المخالطة لهم؛ لذلك حين تبدي رأياً يعود إليه فإنَّ الصواب قد يكون في مخالفتها.
وبالجملة فإنّ شيئاً من النواهي المذكورة – إن تمَّ توجيهه بما ذكرناه – لا يتصادم مع كرامة المرأة وإنسانيتها؛ لكونها نواهي معللة، قد اقتضتها الظروف الاجتماعية، أو الطبيعة التكوينية، أو الوظيفة الشرعية.
وإن لم يتم ذلك، ولم نصل إلى معنى واضح نفهمه، فإننا نردّ علم ما أشكل منها للنبي وأهل بيته (عليهم السلام)، والله العالم بحقائق خلقه وأحكام دينه.