متى وقت اللوذ بالسبابة في دعاء (يا من أرجوه)؟

س: ورد في رواية دعاء شهر رجب:… قال: فقال لي أبو عبد الله عليه السلام: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، وقل في كل يوم من رجب صباحا ومساء وفي أعقاب صلواتك في يومك وليلتك:

يا من أرجوه لكل خير، وآمن سخطه عند كل شر، يا من يعطي الكثير بالقليل، يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحننا منه ورحمة، أعطني بمسألتي إياك جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة، واصرف عني بمسألتي إياك جميع شر الدنيا وشر الآخرة، فإنه غير منقوص ما أعطيت، وزدني من فضلك يا كريم.

قال: ثم مدّ أبو عبد الله عليه السلام يده اليسرى فقبض على لحيته ودعا بهذا الدعاء وهو يلوذ بسبابته اليمنى، ثم قال: بعد ذلك:

يا ذا الجلال والاكرام يا ذا النعماء والجود، يا ذا المن والطول، حرّم شيبتي على النار.

هل يظهر من هذه الرواية أن القبض على اللحية واللوذ بالسبابة يكون من أول بداية الدعاء (يا من أرجوه لكل خير) وليس من عبارة (يا ذا الجلال والإكرام)؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

ج: بحسب ما اطّلعتُ عليه من مجاميع الأدعية فإنَّ هنالك نقلين:

1– النقل الأوّل: ما يُستفاد منه أنَّ وقت اللوذ بالسبابة هو عند قراءة الفقرة الأولى من الدعاء، وهي: (يا من أرجوه لكل خير.. إلى قوله: وزدني من فضلك يا كريم).

2– النقل الثاني: ما يُستفاد منه أنَّ وقت اللوذ بالسبّابة هو عند قراءة الفقرة الثانية من الدعاء، وهي: (يا ذا الجلال والإكرام.. إلى قوله: حرّم شيبتي على النار).

فقد قال صاحب كتاب (أبواب الجنان) الصفحة 586 بعد أن ذكر دعاء (يا من أرجوه): (ثمّ قبض “عليه السلام” على لحيته بيده اليسرى، وحرّك سبابته اليمنى يميناً وشمالاً، ثمّ قال: يا ذا الجلال والإكرام… إلخ).

والنقل الأوّل هو الأرجح؛ لأنه مطابق للرواية التي ورد فيها الدعاء، والتي نقلها السيد ابن طاووس (رضوان الله عليه) في الإقبال بسنده عن محمّد السجاد في حديث طويل، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): جعلتُ فداك هذا رجب، علّمني فيه دعاء ينفعني اللّه به، قال: فقال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام): اكتب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، وقل في كلّ يوم من رجب صباحاً ومساء وفي أعقاب صلواتك في يومك و ليلتك: يا مَنْ أَرْجُوهُ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَ آمَنُ سَخَطَهُ عِنْدَ كُلِّ شَرٍّ، يا مَنْ يُعْطِي الْكَثِيرَ بِالْقَلِيلِ، يا مَنْ يُعْطِي مَنْ سَأَلَهُ، يا مَنْ يُعْطِي مَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ تَحَنُّناً مِنْهُ وَرَحْمَةً، أَعْطِنِي بِمَسْأَلَتِي إِيَّاكَ جَمِيعَ‏ خَيْرِ الدُّنْيا وَجَمِيعَ خَيْرِ الآخِرَةِ، وَاصْرِفْ عَنِّي بِمَسْأَلَتِي إِيَّاكَ جَمِيعَ شَرِّ الدُّنْيا وَشَرِّ الاخِرَةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنْقُوصٍ ما أَعْطَيْتَ، وَ زِدْنِي مِنْ فَضْلِكَ يا كَرِيمُ.
قال: ثمّ مدّ أبو عبد اللّه (عليه السلام) يده اليسرى فقبض على لحيته ودعا بهذا الدّعاء، وهو يلوذ بسبّابته‏ اليمنى، ثمّ قال بعد ذلك: يا ذَا الْجَلالِ وَ الإِكْرامِ يا ذَا النَّعْماءِ وَ الْجُودِ، يا ذَا الْمَنِّ وَ الطَّوْلِ، حَرِّمْ شَيْبَتِي عَلَى النّارِ.

فإنَّ المستفاد من هذه الرواية: أنَّ الإمام (عليه السلام) – بعد أن طلب منه الراوي أن يعلّمه دعاءً ينفعه الله تعالى به في شهر رجب – قد فعل أموراً ثلاثة:

1– الأوّل: أمرَ الراوي بكتابة الدعاء والأوقات التي يُقرأ فيها، وأفاده أنه يُقرأ في كلّ يوم من شهر رجب، صباحاً ومساءً، وفي أعقاب صلوات اليوم والليلة.

2– الثاني: قام (عليه السلام) بقراءة الدعاء بنفسه، وكان ذلك منه بعد أن مدّ يده اليسرى فقبض على لحيته ودعا بالدّعاء المذكور، وهو يلوذ بسبّابته‏ اليمنى.

3– الثالث: بعد أن فرغَ من الدعاء عقَّب عليه بقوله: (يا ذَا الْجَلالِ وَ الإِكْرامِ يا ذَا النَّعْماءِ وَ الْجُودِ، يا ذَا الْمَنِّ وَ الطَّوْلِ، حَرِّمْ شَيْبَتِي عَلَى النّارِ).

إذا عرفتَ ذلك، فإنَّ الأمر الثاني الذي أفادته الرواية يدلُّ على أنَّ وقت اللوذ بالسبّابة إنما هو عند قراءة الفقرة الأولى من الدعاء، حيث قالت: (ودعا بهذا الدّعاء، وهو يلوذ بسبّابته‏ اليمنى)، ولا يخفى أنَّ هذه الواو – في قوله: (وهو يلوذ) – تُسمّى بواو الحال، إذ أنَّ الجملة الفعلية التي تلتها تبيّن هيئة وحال الإمام (عليه السلام) حين دعا بالدعاء المذكور.

ولا يبعد – وإن كانت الرواية ساكتةً عن بيان هذا – أن يكون لوذه (عليه السلام) بسبّابته قد استمرّ حال قراءته للفقرة الثانية أيضاً، فإنّ اللوذ بالسبّابة – كما يُستفاد من أخبارهم الشريفة، على ما ذكرناه في أجوبة أخرى – من حالات التضرّع، فلا بأس بالاستمرار عليه حال قراءة الفقرة الثانية أيضاً، بل هو أمرٌ راجحٌ.

والحمد لله رب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *