س: ذكرتم في بعض أجوبتكم أن قصة تخفيف الصلاة ليلة المعراج من خمسين إلى خمس من الأخبار المشهورة، وليس في مضمونها ما يوجب توهّم وضعها، ولكن ماذا عما ورد فيها من تعليم النبي موسى (عليه السلام) للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ألا يعتبر هذا منافيًا لعقيدتنا في أعلمية النبي (صلى الله عليه وآله) وأفضليته؟
الجواب
ج: لقد عرض أحدهم هذا الإشكال على الإمام زين العابدين (عليه السلام) وأجاب عنه، وقد روى ذلك شيخنا الصدوق (طاب ثراه) في (الأمالي) بسنده عن زيد بن علي (رضوان الله عليه)، ونظراً لما اشتملت عليه الرواية من مطالب عقائدية ومعرفية شريفة، فإننا سوف ننقلها بطولها.
قال: سألت أبي سيد العابدين (عليه السلام) فقلت له: يا أبه، أخبرني عن جدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لما عرج به إلى السماء وأمره ربه عز وجل بخمسين صلاة، كيف لم يسأله التخفيف عن أمته حتى قال له موسى بن عمران (عليه السلام): ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن أمتك لا تطيق ذلك؟
فقال: يا بني، إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يقترح على ربه عز وجل ولا يراجعه في شيء يأمره به، فلما سأله موسى (عليه السلام) ذلك وصار شفيعاً لأمته إليه، لم يجز له رد شفاعة أخيه موسى (عليه السلام)، فرجع إلى ربه يسأله التخفيف، إلى أن ردها إلى خمس صلوات.
قال: فقلت له: يا أبه، فلم لم يرجع إلى ربه عز وجل ولم يسأله التخفيف من خمس صلوات، وقد سأله موسى (عليه السلام) أن يرجع إلى ربه ويسأله التخفيف؟
فقال: يا بني، أراد (صلى الله عليه وآله) أن يحصل لأمته التخفيف مع أجر خمسين صلاة، لقول الله عز وجل: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)، ألا ترى أنه (صلى الله عليه وآله) لما هبط إلى الأرض نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد، إنّ ربك يقرئك السلام ويقول: إنها خمس بخمسين، ما يبدّل القول لديّ وما أنا بظلّام للعبيد.
قال: فقلت له: يا أبه، أليس الله تعالى ذكره لا يوصف بمكان؟
فقال: بلى، تعالى الله عن ذلك.
فقلت: فما معنى قول موسى (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله): ارجع إلى ربك؟
فقال: معناه معنى قول إبراهيم (عليه السلام): (إني ذاهب إلى ربى سيهدين)، ومعنى قول موسى (عليه السلام): (وعجلت إليك رب لترضى)، ومعنى قوله عز وجل: (ففروا إلى الله) يعني حجوا إلى بيت الله. يا بني، إن الكعبة بيت الله، فمن حج بيت الله فقد قصد إلى الله، والمساجد بيوت الله، فمن سعى إليها فقد سعى إلى الله وقصد إليه، والمصلي ما دام في صلاته فهو واقف بين يدي الله جل جلاله، وأهل موقف عرفات هم وقوف بين يدي الله عز وجل، وإن لله تبارك وتعالى بقاعاً في سماواته، فمن عرج به إلى بقعة منها فقد عرج به إليه، ألا تسمع الله عز وجل يقول: (تعرج الملائكة والروح إليه)، ويقول عز وجل في قصة عيسى (عليه السلام): (بل رفعه الله إليه)، ويقول عز وجل: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه).
والمتحصل من الرواية الشريفة فيما يرتبط بسؤالكم: أنّ كلام النبي موسى (عليه السلام) مع نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله) ليس من باب التعليم له، وإنما هو من باب الشفاعة لأمته عنده، فاندفع الإشكال.