هل يختص عنوان (أهل البيت) بأصحاب الكساء؟

س: تابعت سلسلة محاضراتكم القيمة حول آية التطهير المباركة فجزاكم الله خيرا على ما قدمتموه ، ولكنكم لم تتعرضوا لشمول الآية للتسعة من ذرية الإمام الحسين عليه السلام فإن بعضهم قد طرح عدة إشكالات على شمول الآية المباركة لبقية العترة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أنقل لكم بعض ما أوردوه ، قالوا:

1- إن دعوى الحصر التي يدعيها الشيعة تضرهم ولا تنفعهم فإن استدلالهم بحديث الكساء واستفادتهم من عبارة: (اللهم هؤلاء أهل بيتي) ولف النبي لهم بالكساء وتلاوته آية التطهير إن كان يخرج نساء النبي فهو أيضا يخرج التسعة من ولد الإمام الحسين عليه السلام ، فإذا كان الشيعة يرون أن النبي صلى الله عليه وآله قد حسم الأمر في حديث الكساء وبفعله هذا أخرج النسوة وحدد من هم أهل البيت عليهم السلام على وجه الحصر فنقول هو أيضا لم يدخل التسعة من ولد الإمام الحسين (ع) وإلا لو كانوا مشمولين لبيّن النبي ذلك ولقال مثلا: (هؤلاء أهل بيتي وتسعة من ولد الحسين منهم أيضا) فالشيعة يزعمون الحصر ويخالفونه بأنفسهم. 

2- نفس التسعة من ولد الحسين عليه السلام نفوا شمول الآية لهم ، فها هو الإمام الصادق عليه السلام ينفي دخوله مفهوم أهل البيت عليهم السلام الذين عنتهم آية التطهير ، روى الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال والسند معتبر ، ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق، عن عمار قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال رجل: اللهم صل على محمد وأهل بيت محمد فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا هذا لقد ضيقت علينا أما علمت أن أهل البيت خمسة أصحاب الكساء؟ فقال الرجل: كيف أقول؟ قال: قل: اللهم صل على محمد وآل محمد، فنكون نحن وشيعتنا قد دخلنا فيه.


الجواب

ج: لا يخفى أنّ هنالك قضيتين ينبغي عدم الخلط بينهما :

١ – الأولى : انحصار عنوان ( أهل البيت ) في النبي وآله ( عليهم السلام ) ، وخروج غيرهم ، كنسائه أو بني عمومته .

٢ – الثانية : انحصار عنوان ( أهل البيت ) في الخمسة أهل الكساء ( عليهم السلام ) دون غيرهم .

ومدعانا هو الحصر الأول ، وهو لا يستلزم الحصر الثاني ، كما لا يخفى ، وبيان ذلك يستدعي بيان أمرين :

١ – الأول : أنّ عنوان ( أهل البيت ) مفهوم كلي عام ، وهذا المفهوم يتسع لعدة من المصاديق .

٢ – الثاني : أنّ خصوص المورد لا يخصص الوارد ، فالآية الكريمة وإن نزلت في موردِ خصوص الخمسة أهل الكساء ( عليهم السلام ) ، إلا أنّ هذا الخصوص لا يستدعي تخصيص مفهومها العام ، شأنها في ذلك شأن الكثير من الآيات القرآنية .

وعلى ضوء ذلك ، فالشأن كل الشأن في كيفية إدخال مصاديق جديدة تحت ذلك العنوان العام – وهو عنوان ( أهل البيت ) – غير المصاديق الخمسة ، وهم : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، ويمكننا إثبات اتساع العنوان لغيرهم من خلال عدة طرق سنكتفي بأحدها ، وهو يبتني على بيان مقدمتين :

أ – الأولى : إنّ الآية الكريمة بعد أن ثبت نزولها في الخمسة من أهل الكساء ( عليهم السلام ) ، فإنّها تُثبت العصمةَ لهم جميعاً ، وقد أوضحنا كيفية دلالتها على عصمتهم في نفس المحاضرات التي تناولت آية التطهير ، وطُبعت في الجزء الثاني من كتاب ( الإمامة الإلهية بين القرآن والبرهان ) .

وعلى ذلك فإنّ كل ما يصدر عن أحد هؤلاء الخمسة ( عليهم السلام ) من قولٍ أو فعل فإنه يعكس كلام الله تعالى ويحكي إرادته ، ولا يمكن أن يجانب الصواب على الإطلاق .

ب – الثانية : إنّ هؤلاء الخمسة – كلاً أو بعضاً – قد صرحوا باتساع عنوان ( أهل البيت ) لغيرهم ، وهم التسعة من ذرية الإمام الحسين ( عليه وعليهم السلام ) ، وبما أنّ الخمسة معصومون لا يحيدون عن الحق ، فهذا يعني أنّ دخول التسعة ضمن آية التطهير حق لا مرية فيه .

وممن صرّح باتساع عنوان ( أهل البيت ) للتسعة عليهم السلام : سيد الأنبياء وأفضل أهل الكساء ( صلى الله عليه وآله ) في غير واحدٍ من الأحاديث الشريفة ، ومنها :

ما رواه الخزّاز القمي بسنده عن موسى بن عبد ربّه ، قال : سمعت الحسين بن عليّ ( عليهما السّلام ) يقول في مسجد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) ـ وذلك في حياة أبيه عليّ ( عليه السّلام ) ـ : سمعت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يقول : ألا إنّ أهل بيتي أمان لكم ، فأحبّوهم لحبّي ، وتمسّكوا بهم لن تضلّوا . قيل : فمَن أهل بيتك يا نبيّ الله ؟ قال : عليّ وسِبطاي ، وتسعة من ولد الحسين أئمّة أمناء معصومون ، ألا إنّهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي .

وعنه أيضاً بسنده عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بيت أم سلمة ، وقد نزلت هذه الآية { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : ” يا عليّ ، هذه الآية نزلت فيك وفي سبطيَّ والأئمّة من ولدك ، قلت : يا رسول وكم الأئمّة بعدك ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ” أنت يا عليّ ، ثمّ ابناك الحسن والحسين ، وبعد الحسين علي ابنه ، وبعد عليّ محمّد ابنه ، وبعد محمّد جعفر ابنه ، وبعد جعفر موسى ابنه ، وبعد موسى عليّ ابنه ، وبعد عليّ محمّد ابنه ، وبعد محمّد عليّ ابنه ، وبعد عليّ الحسن ابنه ، وبعد الحسن ابنه الحجّة ، هكذا وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش ، فسألت الله عزّ وجل عن ذلك فقال: يا محمّد هم الأئمّة بعدك ، مطهّرون معصومون ، وأعداؤهم ملعونون” .

وفي كتاب سليم عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيام خلافه عثمان : ” أيها الناس أتعلمون أن الله عز وجل أنزل في كتابه : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } فجمعني رسول الله وفاطمة وابني حسناً وحسيناً وألقى علينا كساء ، وقال : هؤلاء أهل بيتي ولحمتي ، يؤلمهم ما يؤلمني ويؤذيني ما يؤذيهم ويحرجني ما يحرجهم ، فأذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيراً ، فقالت أم سلمة : وأنا يا رسول الله ؟ فقال : أنت إلى خير ، إنما نزلت فيّ وفي أخي وفي ابنتي فاطمة وفي ابنيَّ وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصّة ، ليس معنا فيها أحدٌ غيرنا ، فقالوا كلهم : نشهد أن أم سلمة حدّثتنا بذلك ، فسألنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فحدثنا كما حدثتنا به أم سلمة .

ومثلُ هذه الأحاديث أحاديث أخرى مستفيضة يقع عليها المتتبع ، وكلها تدل على دخول التسعة ضمن عنوان ( أهل البيت ) ، وبما أنها صادرة عن أحد الخمسة المعصومين ( عليهم السلام ) الذين ثبتت عصمتهم بآية التطهير ، فهذا يكفي لإثبات شمول آية التطهير للتسعة الأطهار ( عليهم السلام ) .

وأما الرواية الصادقية التي نقلتموها فهي ناظرة للتفريق بين عنوان ( أهل بيت محمد ) وعنوان ( آل محمد ) ، وقد خصصت الأول بأصحاب الكساء ( عليهم السلام ) وعممت الثاني لغيرهم ، ولا يخفاك أنّ عنوان ( أهل بيت محمد ) غير عنوان ( أهل البيت ) والمدعى عمومه هو الثاني لا الأول ، فلا يصح النقض بالرواية .

فإن قلتَ : إن بعض الروايات النبوية المفسّرة للآية قد عبّرت بـ ( أهل بيتي ) ، فكيف يتّجه على ضوئها التفريق بين عنوان ( أهل البيت ) وعنوان ( أهل بيت محمد ) ؟

قلتُ : يتّجه ذلك بأنّ كل واحد من أفراد البيت – سواء كان بيت النبوة أم الولاية أم البيت المعمور ، أم غير ذلك مما ذكر في تفسيراته – يصح له أن يضيف البيت إلى نفسه ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله : ( أهل بيتي ) ، بينما ( أهل بيت محمد ) ظاهر في الإضافة له بخصوصه ، وأفراد هذا البيت معدودون .

والحمد لله رب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *