س: روى علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه قال: ((كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل الهمداني – وكان يتولى له – فقال له: جعلت فداك اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل فإني أنفقتها، فقال له أبو جعفر: أنت في حل.
فلما خرج صالح من عنده قال أبو جعفر عليه السلام: أحدهم يثب على (أموال حق) آل محمد وفقرائهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، فيأخذه ثم يقول: اجعلني في حل، أتراه ظن أني أقول له لا أفعل؟ والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالًا حثيثًا)).
ذكر البعض أن في الرواية فقرة خاصة وهي للذي طلب من الإمام أن يبرئ ذمته فبرّأ الإمام ذمته وبالتالي لا شيء عليه، والفقرة التالية عامة موجهة للجميع.. لكن الغريب أن الإمام في الفقرة العامة كذلك قال بما مضمونه أنه لو جاءني ذلك الفاعل وطلب الإعفاء فهل يظن أني لن أعفيه؟ كيف هذا؟ هلّا تكرمتم بشرح الخبر.
الجواب
ج: من الممكن أن يُجاب عن الإشكالية المتوهمة في الرواية الشريفة بالالتفات إلى مقدمات ثلاث :
1- المقدمة الأولى : إنّ الأحكام الشرعية على قسمين :
- القسم الأول : الأحكام التكليفية ، وهي الأحكام الخمسة المعروفة .
- القسم الثاني : الأحكام الوضعية ، نظير الزوجية والملكية ونحوهما .
2- المقدمة الثانية : عند التعدي على مال الغير – كما هو موضوع الرواية الشريفة – يوجد هنالك حكمان : تكليفي ووضعي .
- أما التكليفي : فهو حرمة التعدي على مال الغير .
- وأما الوضعي : فهو انشغال ذمة المتعدي بالمال الذي تعدى عليه .
3 – المقدمة الثالثة : إنّ مخالفة الحكم التكليفي – كحرمة السرقة أو التعدي على مال الغير – لا يتم تجاوزها إلا بالتوبة وقبولها ؛ لأنّ الحكم التكليفي يعود إلى مقام مولويته سبحانه وتعالى ، فهو الذي بيده أن يغفر للمتجاوز على حكمه أو لا يغفر ، وأما مخالفة الحكم الوضعي الحقوقي ، فيمكن أن يتم تجاوزها بطلب الإبراء من صاحب الحق ، كمن سرق أموال الغير ثم استبرأ ممن سرق منه فأبرأه ، فإنه بإبرائه له يسقط الحكم الوضعي الحقوقي ، وهو انشغال ذمته بمال المسروق منه .
وبعد الالتفات لهذه المقدمات الثلاث يُقال : إنّ موضوع الرواية هو أن المتولي على أوقاف أهل البيت عليهم السلام في قم المقدسة قد تعدى على عشرة آلاف درهم منها ، وهذا التعدي – كما قدمناه – له حكمان : تكليفي – وهو الحرمة – ووضعي ، وهو انشغال ذمته بالمال المعتدى عليه .
وعليه ، فإنه حين جاء للإمام الجواد عليه السلام وطلب منه أن يجعله في حل منها ، وجعله الإمام في حل ، فإنما سقط عنه الحكم الوضعي ، وهو انشغال الذمة ، ولكن بقي تجاوزه للحكم التكليفي – وهو حرمة الاعتداء على أموال أهل البيت عليهم السلام – على ما هو عليه ؛ إذ أن المغفرة والتجاوز عن مخالفة هذا الحكم الإلهي ليست بيد الإمام عليه السلام ليسقط التبعة عنه ، وإنما هي بيد الله تعالى ، ولذا قال الإمام عليه السلام : ( والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً ) .
والحاصل : فإنه لا تنافي بين جعل الإمام عليه السلام له في حل ، وبين تصريحه بمسائلة الله له ، فذاك مرتبط بالحكم الوضعي الحقوقي الراجع لصاحب الحق ، وهذه مرتبطة بالحكم التكليفي الراجع لله تعالى .