هل الحجاب قشري ونسبي؟

س: سماحة السيد .. تعليقا على جوابكم على سؤال عن الحجاب في الدول السياحية اقول : ارى ان التركيز يصب على النساء في الحجاب كما لو انه رمز العفة ، بينما نرى في التاريخ الفقهي ان الحجاب هو للحرة لكي تتميز به عن الامه فلا توذى وليس له علاقة بالعفة التي هي سلوك اكثر منه زي ما ، ثم التركيز على العباءة التي هي معرقلة لحركة المرأة في السفر .. وكثيرا ما ادت الى التعثر عند صعود السلالم واي مرتفع وعادة ماتلتف العباءة الفضفاضة وتسقط المرأة مما يجعلها للكشف اكثر من اللباس العملي الاخر المستور ؟ لماذا المرأة تصور انها عورة ذاتية يجب ان تغطى بينما هي نسبية فبلاد الغرب لايرون في يد المرأة اثارة بينما يراها كذلك من في القطيف مثلا؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

ج: إليكِ أختي الكريمة تعليقي على تعليقك ، وأسأل الله تعالى لي ولكم الهداية والتوفيق .

أولاً : إنّ التركيز على الحجاب ليس من عندياتي ، وإنما هو أحد تعاليم الله تعالى والمعصومين عليهم السلام ، ودعوى أنّ الحجاب – بحسب تاريخه الفقهي – إنما هو للحرة لتتميز به عن الأمة – كما جاء في كلمات د . شحرور ومَن تبعه – دعوى عارية عن البرهان ، واعتماد للأسف الشديد على روايات العامة التي فسرّت آية الجلباب بذلك ، والحال أنّ الصحيح في تفسير قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ ﴾ هو أنَّ الحكمة من الأمر بالتّستُّر بالجلابيب وعدم إظهار الجيوب والصدور هي أنَّ ذلك أقرب إلى أن يُعرفن بالصَّلاح والعفاف فلا يتعرَّض لهنَّ الفسَّاق ؛ إذ أنَّ المرأة إذا ظهرت بمظهر الحشمة والستر لم يتعرض لها الفَسَقَةَ من الرجال غالبًا ، وإنَّما يتعرَّضون للمرأة المبتذِلة ، وهذا يعني أنَّ ارتداء الحجاب مُؤشِّر على أنَّ المُرتديةَ له هي من أهل العفاف والسّتر ، فيكون معنى قوله ﴿يُعْرَفْنَ﴾ أي يُعرفن بالعفاف .

على أننا لو تنزلنا وسلمنا بظهور الآية الكريمة فيما ادّعاه أولئك من أنها تتحدث عن أنّ تشريع الحجاب لأجل أن تتميز به الحرة عن الأمة ، فإنّ ذلك إنما يكون حكمة للحكم وليس علة له ؛ إذ أنّ علل الأحكام لا يحيط بها إلا الملك العلام ، وبالتالي فإنّ انتفاء هذه الحكمة لا يوجب انتفاء الحكم ولا يلغي أهمية التركيز عليه .

وثانياً : إنّ تركيزي على العباءة بالخصوص ليس ذوقاً شخصياً ولا استحساناً خاصاً ، ولا أنني تاجر بيع عباءات ، وإنما تركيزي عليها لأنها – مضافاً لكونها الجلباب القرآني ، وارتداؤها يعدُّ تأسياً بسيدة النساء وابنتها العالمة الحوراء ( عليهما التحية والثناء ) – مما أكدت عليه فتاوى المراجع والفقهاء الذين أُمرنا بالرجوع إليهم في زمن الغيبة الكبرى .

فحين سُئل سماحة مرجع الطائفة السؤال التالي : ( إذا كان الحجاب كاملاً ، واللبس محتشماً ، فهل من الضروري لبس العباءة ؟ ) أجاب مكتب سماحته بالجواب التالي : ( لا مانع منه ، لكن سماحة السيد يحبّذ للمرأة المؤمنة لبس العباءة التي فوق الرأس ) .

وبإمكانكم مراجعة الجواب على الرابط التالي تحت عنوان ( حجاب المرأة ) رقم السؤال ٣٩ .

https://www.sistani.org/arabic/qa/0440/page/4/#3369

وثالثاً : إنني – يا أختي الكريمة – لست من كوكب آخر ، بل أنا أعيش في نفس هذا الكوكب الذي تعيشين فيه ، ولي أم وزوجة وأخوات وبنات ، يذهبن ويجئن ، ويخرجن ويدرسن ، ويتنقلن ويسافرن ، ويمارسن حياتهن بشكل اعتيادي حالهنّ حال غيرهن من النساء ، ولم أرَ إحداهنّ يوماً قد عثرت بسبب العباءة ، أو أعاقتها عباءتها عن ممارسة حياتها كالأخريات ، ولم أسمع من واحدةٍ منهنّ ذلك ، ولذلك فإني أتعجب غاية التعجب مما جاء في كلماتك من المبالغة في تصوير ” إعاقة العباءة لحركة المرأة ، وما توجبه من السقوط ، وكونها عرضة لكشف الستر أكثر من غيرها ” والظاهر أنها كلمات قد كُتبت في حالةٍ من الانفعال الشديد والاندفاع السريع .

ورابعاً : إني لأتعجب من متابعتنا لبعض أعداء المرأة والحجاب حين يثيرون بعض الإثارات العاطفية ، من غير أن نقف عندها وقفة تمحيص وتدقيق وتأمل .

ومن ذلك إثارتهم حول التعبير عن المرأة بأنها ( عورة ) ، فإنهم قد قاسوها إلى عورة الإنسان ، وحاولوا تقبيح التعبير عنها بذلك ، وساعدهم على ذلك ابتعاد الناس عن لغة القرآن الكريم والتأمل فيها .

وإلا فإننا لو رجعنا إلى القرآن الكريم سنجده مثلاً يعبّر عن البيوت بأنها ( عورة ) – سورة الأحزاب ، الآية ١٣ – فهل هو تعبير مستقبح قد استخدمه القرآن ؟! حاشا ساحة القرآن الكريم ذلك .

ولكن لو كلّف الإنسان نفسه وتروى قليلاً ورجع لأصول اللغة العربية لوجد أنّ العورة في اللغة هي : ” ما يجب ستره ، ويقبح كشفه ” ، وهذا المعنى اللغوي كما ينطبق على العورة المتعارفة ، كذلك ينطبق على البيوت أيضاً ، ونفسه أيضاً ينطبق على جسد المرأة – لكونه مما يجب ستره ، ويقبح كشفه قبحاً شرعياً – من غير أن يكون في التعبير عنها بذلك أدنى نسبة من القبح ، فما بالنا نسينا لغة القرآن ومفرداته وأصغينا لصيحات أعداء المرأة والحجاب ؟!

وخامساً : وأما دعوى أنّ الإثارة نسبية ، وأن كشف بعض مفاتن المرأة في الغرب لا يوجب الإثارة بخلافه في القطيف ، فأعتقد أنّ مثل هذه الدعاوى لا يمكن المجازفة بإطلاقها إلا بعد دراسات مستوفية لنفوس الشباب هناك حين يرى تلك المفاتن ، ونفوس الشباب ها هنا حين يرى المفاتن نفسها ، وعلى ضوء ذلك نقرر أن الإثارة نسبية أم لا ؟ وأما إطلاق الحكم بالنسبية هكذا جزافاً فهو غير مقبول بجميع المقاييس .

على أنّ ما يشهده العالم الغربي من جرائم الاغتصاب ، والتهتك ، والدعارة القذرة حتى بين الإخوة والأخوات والأب والبنات والتلامذة والمعلمات والأساتذة والطالبات ، كما هو موثق في الكثير من الصحف والمجلات ومراكز الإحصاء ، مما يكفي الإنسان البصير لمعرفة قيمة نعمة الحجاب ، وأن نسبية الإثارة ما هي إلا مسألة شبه وهمية إن لم تكن وهمية بالدقة .

هذا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

تعليقان (2) على “هل الحجاب قشري ونسبي؟”

  1. السلام عليكم

    لعلك تقصد رقم السؤال 19 وليس 39
    السؤال: ما حكم لبس عباءة الكتف إذا كانت غير مفصلة لجسم المرأة؟
    الجواب: لا مانع منها إذا لم يعد استهجاناً ومثيراً للشهوة نوعاً، وعلى ايّة حال فسماحة السيد (دام ظلّه) يحبّذ للمرأة المؤمنة لبس عباءة الراس.

    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      أحسنتم، يبدو أن ترقيم الأسئلة في موقع سماحة السيد -دام ظله- يتغير عند إضافة أسئلة جديدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *