س: استمعت لمحاضرتكم التي ألقيتموها في ذكرى شهادة النبي الأعظم (ص) لعام 1439هـ. تكلمتم فيها عن منهج التعرف على شخصية النبي (ص)، وقد تعرضتم في محاضرتكم إلى بحث أمية النبي (ص)، وقلتم أن كونه أميًا ليس معناه أنه لم يكن يعرف القراءة والكتابة، فإن هذا الأمر لا يمكن قبوله لأن الذي نعتقده في رسول الله (ص) أنه حاز على كل الكمالات، والقراءة والكتابة كمال، فينبغي أن يحوزه النبي، فالقول بأن النبي (ص) لايعرف القراءة والكتابة يستلزم نسبة النقص إلى ساحة النبي، وهذا غير ممكن.
لكن البعض كالشيخ كاشف الغطاء في جنة المأوى يرى أن القراءة والكتابة ليست كمالًا، وعليه فالقول بأن النبي (ص) لايعرفهما لايوجب نقصًا ولا سلب كمال منه، وخلاصة ما قاله الشيخ كاشف الغطاء: أن الكمالات الإنسانية جسمية كانت أو روحية إنما هي بالنسبة إلى غاياتها تكون كمالًا أو نقصًا، فمثلًا البصر إنما هو كمال نظرًا لحصول الغاية التي تترتب عليه وهي رؤية الأشياء، والعمى نقص نظرًا لعدم حصول الرؤية فيه، فلو أن شخصًا يستطيع الرؤية دون الحاجة إلى العين فهل عدم العين يعد نقصًا بالنسبة إليه؟ كذلك القراءة والكتابة، فإن الهدف من تعلمهما هو تحصيل العلم، فلو كان لدينا شخص يستطيع الحصول على العلم دون الحاجة إلى القراءة والكتابة فهل عدم القراءة والكتابة يعد نقصًا فيه وفقدانًا لكمال موجود عند غيره؟
الجواب
ج: في البدء أقول : إنّ من هوان الدنيا على الله تعالى أن يُقرن كلام طويلب علم صغير مثلي بكلام مثل هذا الجهبذ الكبير ، والطود العظيم ، الفقيه الحاذق ، والحكيم الشامخ ، الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ( أعلى الله مقامه الشريف ) .
ولكن – طبقاً لما اقتتناه من موائده العلمية وموائد غيره من أعلام الإمامية – من الممكن أن يُتأمل في كلامه الشريف من ناحية حصره لغاية القراءة والكتابة في تحصيل العلم ، وذلك لوضوح أنهما من أدوات التواصل مع الآخرين لأجل التفهيم والتفهم ، وهذا الهدف وإن كان يمكن أن يتحقق عن طريق الاستعانة بالغير ، ولكنه كمال للمتصف به ، وعدمه نقص في كماله ، فمن يستطيع أن يكتب للآخرين ويوصل لهم مقاصده بنفسه ، أكمل – في هذا الجانب – ممن لا يستطيع ذلك إلا بالاستعانة بغيره . وبما أن هذه الغاية غير متحققة بغير معرفة القراءة والكتابة ، إلا باستعانة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعلمه الغيبي فيما يرتبط بالتفهم ، وبتصرفه التكويني في النفوس فيما يرتبط بالتفهيم ، وهذا ما لم تجرِ عليه سيرته المباركة ؛ لذلك كان الاتصاف بالقراءة والكتابة واحداً من كمالات ذاته القدسية .