س: في محاضرة (المقامات الشهودية للإمام الحسين عليه السلام)، ذكرتم أن هناك صحيفة أنزلت للحسين بعد استشهاد جميع أصحابه، ولما نظر فيها وجد أنها العهد الذي عهده الله إليه قبل خلق الخلق، ومما فيها:
يا حسين، ما حتمنا عليك الموت، ولا نلزمك الشهادة، ولك الخيار، ولا ينقص من حظك عندنا شيء، وإنا قد جعلنا السماوات والأرضين والملائكة والجن تحت أمرك، فامرها أن تهلك هؤلاء الكفار.
فكيف نوفق بين هذا العهد وبين كلام النبي له (بما مضمونه): يا حسين إن لك عند الله درجات لا تنالها إلا بالشهادة؟
الجواب
ج: لو افترضنا أنّ طالباً متفوقاً في المدرسة قال له أستاذه : ( لن تنال شهادة التفوق إلا بأن تحقق أعلى الدرجات في الامتحان النهائي ) ، وقد بذل جهده طوال السنة لأجل تحقيق ذلك ، ولكنه في فترة الامتحان أصيب بالحمى مثلاً ولم يمتحن ، فقال له مدير المدرسة : ( إن شئت أن تمتحن امتحناك ، وإن شئت أن لا تمتحن فلك شهادة التفوق ) هل ترى مفارقة بين كلام الأستاذ والمدير ؟ كلا ، وسر ذلك أنّ كلام الأستاذ ناظر لطبيعة القضية ، بينما كلام المدير ناظر لحالة الاستثناء المختصة بهذا التلميذ ؛ وذلك لما يعلمه عنه من الجدية والنشاط ، وأنه لولا الحمى لحقق أعلى الدرجات .
وهكذا هو الكلام في المقام ، فإنّ إخبار النبي صلى الله عليه وآله ناظر إلى طبيعة القضية ؛ إذ أنّ طبيعة الوصول إلى المقامات تقتضي المرور بالابتلائات ، بينما حديث الصحيفة ناظر إلى حالة الاستثناء ، فإنّ الله تعالى لما علمه من حال سيد الشهداء عليه السلام وإقدامه على التضحية والشهادة قد استثناه من تلك الكلية ، وتعهد له بنيل الدرجة المعدة له وإن لم يستشهد ، فلا منافاة بين القضيتين .
وبعبارة مختصرة : إنّ كلام النبي صلى الله عليه وآله ناظر إلى العلاقة السببية الطبيعية بين العمل والجزاء ، وحديث الصحيفة ناظر إلى الاستثناء الحاكم على هذه العلاقة ، وهو الاكتفاء بمقدمات العمل للوصول إلى نتيجته ، وإن لم يتحقق العمل نفسه .