هل زيارة الحسين (ع) أفضل من الأعمال الواجبة؟

س: زيارة سيد الشهداء (ع) مقدمة على الحج المستحب وفق الكثير من الأخبار الشريفة، لكن الثواب الذي تنتجه الزيارات كما في لسان بعض الأخبار من قبيل (تعدل حجة… وحجة….ومئة حجة….وألف حجة) أهو ثواب حجة مستحبة أم يمكن الفهم منها بأن الأخبار تعد الزائر بثواب حجة واجبة؟ وبالتالي: هل للمستحب أن ينتج ثوابًا يفوق ثواب الواجب بمراتب؟ كأن تكون نتيجة زيارة سيد الشهداء (ع) ثواب عشرات بل مئات من الحجج الواجبة؟

الجواب

ج: الذي يظهر من الشيخ الحر العاملي والمحدّث النوري ( طاب ثراهما ) هو القول بأنَّ زيارة سيد الشهداء ( عليه السلام ) تعدل خصوص الحج المندوب ، حيث عنونا الباب الذي اشتمل على الروايات التي تناولت هذا الموضوع بالعنوان التالي ، وهو : ( باب استحباب اختيار زيارة الحسين ” عليه السلام ” على الحج والعمرة المندوبين ) ، ولكنَّ الذي يظهر من روايات الباب المذكور أنها تعدل الأعم من الحج الواجب والحج المندوب ، ومنها : ما ورد عن  عن شهاب بن عبد ربه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألني فقال : يا شهاب كم حججت من حجة ؟ قال : قلت : تسع عشرة ، قال : فقال لي : تممها عشرين حجة تكتب لك بزيارة الحسين عليه السلام .

ومن الواضح أن مجموع الحَجّات التي حجها الراوي مشتمل على الحجة الواجبة ، وقد عدل الإمام ( عليه السلام ) بها جميعاً – بما فيها الحجة الواجبة – زيارة جده سيد الشهداء ( عليه السلام ) .

وحينئذ يلزم توجيه الروايات على طبق القواعد في باب الواجبات والمستحبات ، فيُقال : إنَّ الأحكام الشرعية – طبقاً لاعتقاد العدلية – تابعة للمصالح والمفاسد ، وغالباً ما يأتي الفرق بين الواجب والمستحب من ناحية أقوائية المصلحة ، حيث تكون للواجب مصلحة أقوى من مصلحة المستحب ، فتقتضي تلك الإلزام والوجوب دون هذه ، غير أنَّ ذلك لا يطّرد في جميع الموارد ، وسرّه : أنَّ مصلحة المستحب قد تكون في غاية القوة ، فترقى إلى مستوى الواجب ، بل أعظم الواجبات ، بحيث أنها لو خُليّت ونفسها لاقتضت حكم الشارع بالوجوب قطعاً ، ولكنها تكون مبتلاة بمصلحة تزاحمها وتمانعها – وهي : مصلحة الترخيص ، أو التسهيل – وحينئذ تحول هذه المصلحة أو المفسدة دون حكم الشارع المقدس بالوجوب ، فيتنزل للحكم بالاستحباب .

ويمكن تطبيق ذلك على مسألة ( السلام ) ، فإنَّ المستنطق من الروايات الشريفة أنَّ إلقاء السلام أفضل ثواباً من ردّه ، رغم كون الثاني واجباً والأول مستحباً ، وما ذلك إلا لأنَّ مصلحة الإلقاء أقوى من مصلحة الردّ ، غير أنَّ مصلحة الترخيص في السلام وعدم الإلزام به – دفعاً للتكليف الحرجي – بما أنها تنافس مصلحة الإلقاء ؛ لذلك حكم الشارع باستحبابه المؤكّد دون وجوبه .

وقد يُصنّف هذا على تأملٍ في باب ما يسميه الأصوليون بـ ( التزاحم الملاكي ) ، وقد ذكروا من أحكامه – كما أفاد السيد الشهيد الصدر ( قده ) في تقريرات السيد الهاشمي 4 / 203 – ( تأثير أقوى المقتضيين بعد الكسر والانكسار في إيجاد مقتضاه ، وحينئذ يكون مقتضاه فعلياً ، ومقتضى الآخر ساقطاً مطلقاً ) .

ومما يجدر ذكره : أنه قد وافقنا في أصل هذه الدعوى بعض علماء الجمهور ، ومنهم : الفقيه المالكي المعروف بابن القرافي – من علماء القرن السابع – حيث ذكر في كتابه ( أنوار البروق في أنواع الفروق ) 2 / 125 تحت عنوان ( الفرق بين قاعدة المندوب الذي لا يقدم على الواجب ، وقاعدة المندوب الذي يقدم على الواجب ) ما هذا نصه : ( إن المندوبات قسمان : قسم تقصر مصلحته عن مصلحة الواجب ، وهذا هو الغالب … ثم إنه قد وجد في الشريعة مندوبات أفضل من الواجبات ، وثوابها أعظم من ثواب الواجبات ، وذلك يدل على أن مصالحها أعظم من مصالح الواجبات ؛ لأن الأصل في كثرة الثواب وقلته كثرة المصالح وقلتها ) .

وكيف كان ، فعلى ضوء ما ذكرناه يسهل فهم تفضيل الكثير من المستحبات على بعض الواجبات ، ومنها : زيارة سيد الشهداء الحسين ( عليه السلام ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *