س : ذكرتم في محاضرتكم حول زيارة الناحية المقدسة أن عبارة ( لاطمات الوجوه سافرات ) في زيارة الناحية لا تدل على أنهن خرجن كذلك أمام الأجانب ، مع أن الزيارة تقول بعد ذلك ( وإلى مصرعك مبادرات ) ، أفلا يدل هذا على أنهن خرجن بتلك الحالة إلى المصرع ، وهذا يستلزم رؤية الأجانب لهن ؟
باسمه تعالى
قبل الشروع في الإجابة نحتاج أن نستحضر نص زيارة الناحية المقدسة ، وبعد ذلك نوضح المقصود منه .
قالت الزيارة : ” فَلَمَّا رَأَيْنَ النِّسَاءُ جَوَادَكَ مَخْزِيّاً ، وَنَظَرْنَ سَرْجَكَ عَلَيهِ مَلْوِيّاً ، بَرَزْنَ مِنَ الخُدُورِ ، نَاشِرَات الشُّعُورِ عَلى الخُدُودِ ، لاطِمَات الوُجُوه سَافِرَات ، وبالعَوِيلِ دَاعِيَات ، وبَعْدَ العِزِّ مُذَلَّلاَت ، وإِلَى مَصْرَعِكَ مُبَادِرَاتِ”.
وبعد استحضار هذا النص نقول : إنّ ( إلى ) في قول الزيارة : ( وإلى مصرعك مبادرات ) تحتمل احتمالين :
أ – أنها غاية لجميع الأحوال المذكورة قبلها ، كلطم الخدود ونشر الشعور وسفر الوجوه ، وعلى هذا الاحتمال يدل النص على استمرار نشر الشعر وسفر الوجه إلى حين الوصول إلى المصرع المفجع ، إلا أنه لا يُوجد في النص ما يقوّي هذا الاحتمال .
ب – أنها مُتَعلق للمبادرة ، فتكون غاية لها ليس إلا ، وكأن الزيارة قد قالت : ( لاطِمَات الوُجُوه سَافِرَات ، وداعيات بالعَوِيلِ ، ومُذَلَّلاَت بعد العز ، ومبادرات إِلَى مَصْرَعِكَ ) ولكنها قدمت وأخرّت في المفردات مراعاة لصناعة السجع ليس إلا .
وعلى هذا الاحتمال فإنها لا تدل على استمرار الأحوال الواقعة قبل ( المبادرة ) ، بل غاية ما تدل عليه هو حدوث تلك الأحوال حين ( برزن )، وأما استمرارها فلا يوجد في النص دال يدل عليه .
وإيضاحاً لذلك يمكن أن نذكر مثالاً يقرّب الفكرة ، فحين يُقال : ( خرجَ عليٌ ممسكاً بيد صديقه ، باكياً ، لاطماً ، وإلى الحسينية قاصداً ) ، يُفهم من ذلك : أن المتكلم في مقام وصف حال ( علي ) حال خروجه ، وقد ذكرَ من أحواله :
- أنه ممسك بيد صديقه .
- وأنه لاطم .
- وباكٍ .
- وقاصد إلى الحسينية .
وهذا يعني أنّ القصد إلى الحسينية أحد أحواله ، ولا يُستفاد منه أنّ قيد ( إلى الحسينية ) غاية لإمساكه بيد صديقه ولطمه وبكائه أيضاً ، وعليهِ فلا يُفهم من كلامه استمرار كل ذلك إلى حين الوصول إلى الحسينية ، بل غاية ما يُفهم منه حدوث ذلك حين خروجه من بيته ، وأما استمرار ما سوى القصد – من اللطم والبكاء – حتى وصوله إلى الحسينية فالنص قاصر عن إثباته .
وهكذا هو الكلام بالنسبة لعبارة الزيارة ، فإن المستفاد منها أن النسوة حين رأين الجواد كانت لهن عدة أحوال ، منها :
- نشر الشعر .
- وسفر الوجه .
- والمبادرة إلى المصرع المقدس .
فالمبادرة من ضمن الأحوال ، وليست ( إلى ) إلا غاية لها فقط ، دون بقية الأحوال السابقة عليها ذكراً ، ومع عدم ظهورها في الغاية لما سوى المبادرة من الأحوال ، فإنه لا يبقى ما يدل على استمرار تلك الأحوال إلى حين الوصول إلى المصرع الدامي ، فتدبر جيداً .
ولك أن تقول بعبارة جامعة مانعة : إن الأداة الدالة على استمرار ( سفر الوجه ) إلى حين الوصول إلى المصرع الحسيني لا تعدو إحدى مفردات ثلاث :
- برزن .
- سافرات .
- إلى .
وليست هي الأولى ، لأنها فعل ماضٍ ، وهو لا يدل على أكثر من تحقق الحدث في الزمن المنقضي ، كما أنها ليست الثانية ، لأنها اسم فاعل ، وهو لا يدل على أكثر من تلبس الفاعل بالحدث ، فتبقى الثالثة ، وبعد ظهورها في كونها غاية للمبادرة ليس إلا ، فلا يبقى ما يدل على استمرار سفر الوجه ونشر الشعر إلى حين الوصول لمحل المصرع .
والحمد لله رب العالمين