س : روى في ( الكافي ) عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين جميعا ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أحدهما ( عليهما السلام ) قال : ” إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج بالنساء في الحرب حتى يداوين الجرحى ، ولم يقسم لهن من الفيئ شيئاً ، ولكنه نفلهن ” ، وهذه الرواية صحيحة ،ومتعدد طريقها ، وهي تذكر أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرج بالنساء في الحرب حتى يداوين الجرحى ، وهذا يلزم منه أن تلمس المرأة الرجل بيديها ، وتتعاطف معه برقة صوتها ، فكيف يمكن فهم ذلك ؟ هل هناك تضميد بغير لمس ؟ وهل الرسول ( ص ) مضطر إليهن ؟ أفيدونا سددكم الله .
بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرحيم
جواباً عمّا تفضلتم بالاستفسار عنه ، أقول : إنَّ الروايةَ الشريفة المسؤولَ عنها– وهيَ موثقةُ سماعة – تتحدثُ عن وقائع خارجية ، وهي : أنَّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يصطحب النساء معه إلى الحرب ؛ لأجل مداواة الجرحى ، وغايةُ ما يستفاد من ذلك هو جواز إخراج النساء في الجملة فقط ، بمعنى أنه : ليس يتسنى لأحدٍ أن يستفيد من الرواية المذكورة جواز إخراج النساء مطلقاً ، سواء كانت المرأة عجوزاً أم فتاة ، وسواء كانت هنالك ضرورة أم لا ؟ .
والوجهُ في ذلك : أنَّ هنالك فرقاً بين الأدلة التي تحكي قولاً للمعصوم ( عليه السلام ) والأدلة التي تحكي فعلاً له ، فإنَّ الأولى يمكن التمسكُ بإطلاقها عند توفر مقدمات انعقاد الإطلاق ، بخلاف الثانية .
ولا بأسَ أن نسوقَ مثالاً للتوضيح ، فنقول : تارةً يردنا دليلٌ يقول : ” يستحب للمرأة زيارةُ الإمام الحسين ( عليه السلام ) ” ، وأخرى يردنا دليل يقول : ” اصطحبَ الإمامُ الصادق ( عليه السلام ) النساء لزيارة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ” ، وحينئذ فإنْ كان الدليلُ من قبيل الأول صحَّ التمسكُ بإطلاقهِ لإثبات استحباب زيارة المرأة مطلقاً للإمام الحسين ( عليه السلام ) ، سواء كانت المرأة عجوزاً أم فتاة ، وسواء كانت متزوجة أم لا ، وسواء كان الوقتُ ليلاً أم نهاراً ، وهكذا ، فإنَّ كل تلك الحالات يشملها الاستحباب ؛ إذ المُشرِّع عندما تكلم بذلك الكلام قاصداً بيان الحكم الشرعي ، كانَ عالماً بجميع تلك الحالات والصور المختلفة ، ومعَ ذلك أطلقَ كلامه ولم يقيده بصورةٍ خاصة ، وهذا يعني بالضرورة أنَّ مراده هو إثبات الاستحباب المطلق الشامل لجميع الصور المتقدمة ، وإلا لا ستثنى ما لا يشمله الحكم .
وأما لو كان الدليل من قبيل الثاني لم يصح القول بإطلاقه ، وسِّرُ ذلك : ما يذكره علماء الأصول من أنَّ فعل المعصوم ( عليه السلام ) لا لسانَ له ، ويقصدونَ بذلك أنه مجملٌ لا يمكن معرفةُ وجهه إلا إجمالاً ، ففي المثال المتقدم لا يمكن أن نستفيد منه إلا جواز اصطحاب النساء في الجملة ، باعتبار ما نعتقده من أنَّ الإمام ( عليه السلام ) لا يفعل حراماً ولا مكروهاً ، وأما استفادة جواز اصطحاب كل أصناف النساء – عجائز وفتيات – مطلقاً ، وفي مختلف الحالات – اختياراً واضطراراً – فهذا ما لا يمكن استفادته من الفعل المذكور ؛ إذ لعلَّ النساء اللاتي اصطحبهنَ الإمام ( عليه السلام ) كنَّ من العجائز ولم يكنَّ من الفتيات ، كما أنه من المحتمل أنَّ يكون ذلك من باب الاضطرار لا مِن باب الاختيار ، وبالتالي فلا يمكن أن نستفيدَ من ذلك الدليل أكثر من جواز اصطحاب النساء في الجملة فقط .
إذا عرفتَ ذلك ، فإنَّ موثقةَ سماعة – التي نحنُ بصددِ الحديث عنها – إنما هيَ من قبيل النحو الثاني من الأدلة ؛ لأنها تتحدثُ عن أحدِ أفعال النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) ، وبالتالي فأقصى ما تدل عليه هو جواز اصطحاب النساء للحرب من أجل مداواة الجرحى في الجملة ، وليس يستفاد منها جواز اصطحابهن للحرب مطلقاً ، حتى ولو لم يكن هنالك اضطرار ، أو كنَّ من الفتيات لا من العجائز ، أو كنَّ أجنبيات ولم يكنَّ من المحارم ، فالرواية لا إطلاقَ لها .
والذي أحتمله أنَّ ذلك كانَ من باب الاضطرار ؛ وذلك لأنَّ عدد المسلمين كانَ في غاية القلة آنذاك ، فكان هذا العامل يحتِّمُ خروج بعض النساء مع المقاتلين ؛ لكي لا ينشغل الرجال عن القتال بمداواة بعضهم البعض .
وبما أنه في باب الاضطرار ( تُقدّر الضرورات بقدرها ) – كما تسالمَ على ذلك الفقهاء – لذلك فإنه من المحتمل جداً أن النساء المذكورات في الرواية كنَّ من محارم المقاتلين ، أو كنَّ من العجائز القادرات على مداواة الجرحى ، ولعلّه لأجل هذه النكتة التي ذكرناها قد قَصَرَ العلامةُ الحلي ( قده ) – في ( منتهى المطلب ) : 14 / 71 – الحكمَ بجواز اصطحاب النساء إلى الحرب – في صورة وجود المصلحة – على خصوص العجائز ، وأفتى بكراهة اصطحاب الشابات من النساء .
كما أنه بما أنَّ ( الضرورات تبيح المحظورات ) – كما يقول الفقهاء – لذلك فحتى لو قطعنا بأنَّ النساء المذكورات في الرواية لم يكنَّ من المحارم ، بل كنَّ أجنبيات ، فإنَّ ملامسة المرأة للجريح في صورة الاضطرار لا تكون محظورة شرعاً .
هذا لو سلمنا بوجود ملازمةٍ عادية بين المداوة والملامسة ، والحق أنها ممنوعة ؛ لإمكان تحقق المداوة بلا ملامسة ، كما لا يخفى .
واللهُ العالمُ بحقائقِ أحكامه