س: يشكل علينا البعض بقولهم إن السيد الخوئي طيب الله ثراه عند مقابلته للطاغية قال: الحمد لله الذي أخمد هذه الفتنة على يديك… فما هو المخرج؟

الجواب

ج: إن صحّ صدور العبارة المذكورة من سيد الطائفة الخوئي ( طاب ثراه ) فمن الممكن معالجتها بإحدى معالجتين :

1 – المعالجة الأولى : أن يُقال إنّ ذلك من باب ما يُعبّر عنه في الفقه الشيعي بـ ( التورية ) ويُراد بها : ( أن يتكلم المتكلم بكلام ظاهر في معنى معين ، ولكنه يريد به معنى آخر من المعاني الواقعية غير المعنى الظاهر فيه ) .

وقد لجأ الأئمة ( عليهم السلام ) عند الاضطرار إلى هذا المخرج في تعاملهم مع ولاة الجور ، فمثلاً : حين سأل أحدهم الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن الرجلين ، قال له : هما إمامان عادلان قاسطان ، فلما سأله بعض خواصه عن وجه كلامه ؟ أجاب : أما أنهما إمامان ، فلقوله تعالى : ( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ) ، وأما أنهما عادلان ، فلعدولهما عن الحق ، كقوله تعالى : ( والذين كفروا بربهم يعدلون ) ، وأما أنهما قاسطان ، فلقوله تعالى : ( وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً ) .

وعلى هذا ، فإن قول السيد الخوئي طاب ثراه – إن صحت النسبة – مخاطباً طاغية زمانه : ( الحمد لله الذي أخمد هذه الفتنة على يديك ) وإن كان له معنى ظاهر ، إلا أنه من المحتمل جداً أنه أراد التورية ، فقصد بالفتنة معنى آخر غير المعنى الظاهرة فيه ، كفتنة قتله مثلاً .

2 – المعالجة الثانية : أن يُقال إنّ من الأسس القويمة في الشريعة المقدسة ما عبّرت عنه الروايات الشريفة – استلهاماً من القرآن الكريم – بـ ( التقية ) .

ومن الواضحات أنّها في الشريعة المقدسة من الواجبات في موارد الخوف من الضرر على النفس أو العرض أو المال ، وقد شددت الروايات النكير على مَن تركها وتخلف عنها ، حيث وردَ أنه ( لا دين لمن لا تقية له ) و ( ليس منّا مَن لم يلزم التقية ) ونحو ذلك كثير .

وقد كانت سيرة أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) على الالتزام بهذا المبدأ في تعاملهم مع الطغاة والظالمين ، والشواهد على ذلك من الكثرة بمكان ، ويكفيك منها مخاطبة الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) لطاغية زمانه المنصور الدوانيقي بـ ( أمير المؤمنين ) ، وكذلك مخاطبة الإمام الرضا ( عليه السلام ) للمأمون العباسي .

وعلى ذلك ، فهب أنّ السيد الخوئي طاب ثراه قد قال تلك العبارة لطاغية زمانه ، فإنّ ذلك – إن صحّ – قد كان بمقتضى التقية الواجبة لحفظ نفسه ودمه ، وما يترتب على ذلك من حفظ الحوزة الشريفة وأعلامها .

وبالجملة : فإن كل ما يُجاب به عن تصرفات الأئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) وكلماتهم مع طغاة عصورهم يصلح نفسه أن يكون جواباً عن كلمة السيد الخوئي – طاب ثراه – إن صحّت نسبتها إليه .

والحمد لله رب العالمين