كيف يثبت إعجاز القرآن باستقراء ناقص؟

س: مسيحي يقول: ما هي معجزة النبي (ص)؟ قلنا: القرآن، قال: ما هو الدليل على أنه معجزة؟ قلنا: لم يأتِ أحد بمثله وتحدى أهل الفن فلم يتحرك أحد، فقال: هذا استقراء ناقص ولا يفيد إلا الظن، فإذا انتهت البشرية ولم يأتِ أحد بمثله فسيكون استقراء تامًا… فكيف نجيب عن ذلك؟

الجواب

يمكن أن يُجاب عن ذلك بأحد أجوبة :

1 – الجواب الأول : أن يُقال : إنَّ الإشكال المذكور لا يخلو عن مغالطة ، فإنه مبني على حصر طريق اليقين بالاستقراء التام ، وليس كذلك ، لتولد اليقين في كثير من الأحيان نتيجة تراكم القيم الاحتمالية ، وهذا أمر وجداني يعيشه كل إنسان في حياته اليومية .

وعلى ذلك نقول : إن القرآن قد تحدى الإنس والجن معاً تحدياً بلاغياً وعلمياً وغير ذلك من وجوه الإعجاز ، ومع ذلك – رغم اجتماع ملايين الإنس والجن من ورائهم عبر أربعة عشر قرناً على مواجهة القرآن ، ورغم الشموخ والتطور العلمي الهائل في مختلف المجالات ومنها الألسنيات – فإنّ أحداً لم يستطع أن يأتي بخطأ واحد مُسَلّمٍ به يمس بلاغة القرآن الكريم أو الحقائق العلمية التي اشتمل عليها ، وهذا يكفي لتوليد اليقين التام بأنّ أحداً – مهما امتد الزمان – لن يستطيع تحدي القرآن ، وكفى .

2 – الجواب الثاني : أن يُقال : إنَّ تحدي الأمم على نحوين :

  • النحو الأول : التحدي العرضي ، وهوتحدي كل أمة في زمانها .
  • النحو الثاني : التحدي الطولي ، وهو تحدي الأمم المتتالية عبر القرون .

ويكفي لإقامة الحجة على كلّ أمة عجزها عن نقض التحدي العرضي ، وعلى ذلك فإنَّ هذا المقدار من عجزنا وعجز الثقلين معاً عن مواجهة تحدي القرآن يكفي لإقامة الحجة علينا ، وبذلك يلزمنا عقلاً التسليم للنبي صلى الله عليه وآله ، لأنه تمكن من إقامة الحجة علينا .

3 – الجواب الثالث : يبتني على عدة مقدمات ، وإليك بيانها :

الأولى : إنَّ الله سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان عبثاً ، وإنما خلقه لغايةٍ سامية نبيلة ، وهي بلوغ الإنسان باختياره منتهى الكمال الإمكاني اللائق بشأنه والمتناسب مع قابليته واستعداده .

الثانية : ولأجل أن يحقق الإنسان هذه الغاية فقد زوده الخالق تعالى بالآليات التي يستطيع من خلالها أن يسير في طريق الكمال ، كما يشير لذلك قوله تعالى : { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .

الثالثة : وبما أنَّ الإنسان وحده لا يستطيع الإحاطة بأسباب الكمال ؛ لابتنائها على مصالح واقعية لا يعلمها إلا خالقه ، فقد لزم – بمقتضى قاعدة اللطف ، وقبح نقض الغرض – أن يُطْلِعَ الله الإنسان على تلك الأسباب ؛ لكي يتكامل على ضوء الأخذ والعمل بها .

الرابعة : ومن هنا لزم – بحكم العقل – أن يبعث الله تعالى للبشر رسلاً من جنسهم ، لكي يطلعوهم على ما خفيَ عنهم من موجبات وأسباب كمالهم ، ولو لم يفعل هذا لكان ناقضاً لغرضه ، ونقضُ الغرض لا يصدر من العاقل ، فكيف يصدر من الحكيم تعالى شأنه ؟!

الخامسة : وبما أنَّ الرسول – أيَّ رسول كان – حين يدّعي الرسالة يحتاج أن يثبت صدق دعواه ، فقد أظهر الله المعاجز – التي يعجز البشر عن الإتيان بمثلها – على أيدي رسله ؛ ليتميز بذلك الصادق عن الكاذب ، ولو لم يظهر المعجزة على أيديهم لم يتحقق الغرض من إرسالهم .

السادسة : إنَّ قبح نقض الغرض كما يقضي بلزوم إظهار المعجزة على يد الصادق من الرسل فهو يقضي أيضاً بلزوم المنع من ظهورها على يد الكاذب ، وإلا لالتبس الحق بالباطل ، وبهذا ينتقض الغرض من المعجزة ، وتبعاً لذلك ينتقض الغرض من إرسال الرسل ، وبالمنتهى ينتقض الغرض من خلقة البشر وإيجادهم .

وعلى ضوء هذه المقدمات الست يُقال : إنَّ النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) قد ادعى النبوة والرسالة عن الله تعالى ، وتحدى البشر والجن بمعجزته الخالدة ، وهي القرآن الكريم ، على أن يأتوا ولو بسورة من مثله ، فعجزوا جميعاً ، ولو كان كاذباً في دعواه – وحاشا ساحة قدسه ذلك – للزم بحكم العقل على الله تعالى – لئلا ينتقض غرضه – أن يظهر كذبه ، بأن يُوجِد مَن يستطيع إبطال تحديه ، فلما لم يُوجَد مَن يقوى على ذلك علمنا بالجزم واليقين صدق رسول الله الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) مِن غير حاجة للتشبث بالاستقراء ؛ إذ أنَّ طريق تحصيل اليقين لا ينحصر به .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *