هل يثبت القرآن أفضلية النبي عيسى (ع) على النبي محمد (ص)؟

س: من خلال آيات القرآن الكريم ومقارنة بين النبي محمد والنبي عيسى نجد أن النبي محمد ذكر أربع مرات فقط، ولم يذكر اسم أمه، ولم يضف اسمه مع اسم الله عز وجل، أما النبي عيسى فذكر اسمه 25 مرة، وخصص القرآن سورة باسم أمه، وأضيف لاسم الله مثل كلمة الله وروح الله… ألا تعتبر كل هذه الأمور أدلة على أفضلية النبي عيسى على النبي محمد كما يقول المسيحيون؟

الجواب

ج: الجواب يتم ببيان نقاط :

النقطة الأولى : إنَّ الإشكال تضمن مقدمات خاطئة أفضت إلى نتيجة مثلها ، ومنها : أنَّ القرآن الكريم قد ذكر النبي عيسى ( عليه السلام ) أكثر من ذكره للنبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) .

ووجهُ خطأ هذه المقدمة : أنَّ صاحب الإشكال قد ركّز على ذكر الأسماء فقط ، والحال أنَّ الذكر كما يكون بالأسماء يكون بالصفات أيضاً .

والذي دعا صاحب الإشكال أن يركّز على الأسماء فقط هو معرفته بأنَّ القرآن قد ذكر اسم عيسى أكثر من ذكره لاسم محمد ، بينما ذكرَ محمداً ( صلى الله عليه وآله ) بالصفات – كالنبي والرسول والمزمل والمدثر وو – أكثر من ذكره لعيسى ( عليه السلام ) أضعافاً مضاعفة ، ولكنَّ المستشكل حتى يمرّر مغالطته قد تعمد الاقتصار على ذكر القرآن للأسماء ، وأغمضَ عينيه عن ذكره للصفات .

النقطة الثانية : إنَّ القرآن الكريم قد اهتمّ بذكر السيدة مريم ( عليها السلام ) اهتماماً بالغاً ، بسبب كثرة الحوادث المهمة التي مرّت بها حياة هذه الصديقة المطهرة ، وبما أنَّ كتب المسيحيين قد أغفلت ذكر كثير منها ، سيما ما يرتبط باتهامها في شرفها والافتراء عليها وكراماتها الإلهية ، لذلك أخذ القرآن على عاتقه أن يطهرها ويدافع عن كرامتها ، ويظهر مكانتها عند الله تعالى ، وبما أنَّ السيدة آمنة ( عليها السلام ) والدة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم تعترض حياتها مثل تلك الحوادث ؛ لذلك لم يحتج القرآن إلى التركيز عليها .

النقطة الثالثة : إنَّ التعبير عن النبي عيسى ( عليه السلام ) بـ ( روح الله أو كلمة الله ) تعبير يُراد به التشريف ، وله نظائر في القرآن الكريم ، فقد عبّر عن ناقة النبي صالح ( عليه السلام ) بـ ( ناقة الله ) ، وعن الكعبة المشرفة بـ ( بيت الله ) ، وهذا ما يُعبّر عنه في كلمات الأدباء بـ ( الإضافة التشريفية ) ، وهو أسلوب يستخدمه المتكلم حين يريد أن يبيّن شرافة المُضاف ، فإنه يقوم بإضافته لمضافٍ إليه شريف ، فيكتسب شرافةً من شرفه ، فالله سبحانه وتعالى حين أراد أن يبيّن شرافة ناقة نبي الله صالح ( عليه السلام ) – مثلاً – أضافها لنفسه فقال ( ناقة الله ) فاكتسبت بهذه الإضافة مكانةً وشرفاً .

وبذلك ظهرَ أنَ التعبير المذكور لا يُراد به تفضيل شخص على آخر ، وإنما يُراد به إظهار شرف الشخص ومكانته عند المتكلم لأسباب مختلفة ، وبما أنَّ عيسى النبي ( عليه السلام ) قد خلقه الله تعالى بكلمة واحدةٍ – وهي كلمة ( كن ) – من غير توسط أب ، وكان ذلك من موجبات التشنيع عليه وعلى أمه الطاهرة الصديقة ؛ لذلك عبّرَ عنه القرآن الكريم بـ ( كلمة الله ) و ( روح الله ) تشريفاً له وإشارة إلى أنه تعالى هو الذي تولى خلقه وإيجاده بشكل مباشر .

النقطة الرابعة : لو أغمضنا عن كلّ ما ذكرناه ، وسلمنا مع المستشكل بأفضلية النبي عيسى على النبي محمد ( عليهما السلام ) ، فإنَّ هذا لا يفيد المستشكل شيئاً ؛ إذ أنَّ كون نبي الله عيسى ( عليه السلام ) هو الأفضل لا يمنع من ثبوت النبوة بعده لمن هو دونه فضلاً ، فإنَّ كون النبي إبراهيم ( عليه السلام ) أفضل من النبي عيسى ( عليه السلام ) لم يمنع من ثبوت النبوة بعده للنبي عيسى ( عليه السلام ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *