س: لقد راجعت عددًا مما كُتِب في الرد عن نظرية التطور منها:
- كتاب أبي المجد الأصفهاني “نقد فلسفة دارون”
- كتاب الشيخ محمد حسن آل ياسين “الإنسان بين الخلق والتطور”
وراجعت قصص الأنبياء للراوندي، والقصص القرآنية وتاريخ الأنبياء في تفسير الميزان للسيد محمد حسين الطباطبائي، والقصص القرآنية دراسة ومعطيات وأهداف للشيخ جعفر السبحاني.
وبعد هذا، أُلخّص كلامي حتى لا أطيل:
١- أجد صعوبة في تزاوج الدين مع العلم. بمعنى أن الوارد في كتبنا يختلف عن النظريات العلمية الحديثة. وهنا أريد أن ألفت عنايتكم لعدة أمور:
أ) كل النظريات أو الفرضيات العلمية الحديثة ليست مسلّمات علمية، بل لا زالت قيد التصحيح مع الزمن، وفيها أقول بأنها تصحح نفسها مع الوقت وعندها نستنتج أنها ليست مسلّمات، فهي قابلة للخطأ والصواب، وهي في هذا الزمان أفضل ما توصل له العلم بل أفضل ما طُرِح في الساحة.
ب) ردود الكتب مجملًا تكون مبنية على أساسيات فلسفية أو منطقية، وهذا الشيء قد لا يحقق نجاحات في الرد والأخذ بين الطرفين. أصحاب النظريات ينظرون لما يعرضونه على أنه علوم أحياء أو فيزياء ولديهم براهين واقعية ولها إسقاطات في حياتنا المادية. إذا كان هناك نقض لما يقولون، يرون أن يكون نقضًا في نفس مجال تخصصهم.
٢- هل من واجب علماء الدين الرد على هذه الإشكالات؟ أم أننا نحملهم فوق طاقتهم؟ إذا كان كذلك، أحرى بنا أن نسكت عن إزعاجكم بها أو الرد عليها.
٣- من خلال ما أفهمه من علم الهندسة والأحياء، أن هذا الكون يسير وفق نظام، فما المانع من كون خلق الإنسان أن يكون على مراحل أو أطوار؟ إذا لم يكن هنالك تعارض صريح مع كلام الله والعترة الطاهرة؟ ما المشكلة في قبول ما يقوله علماء الطبيعة والأحياء؟
مثال بسيط: نحن نعلم بأن المطر هو ظاهر كونية طبيعية، تحتاج إلى مقدمات، لربما في علم الناس قديما بأنه يحدث مباشرة من دون مقدمات أو مسببات، ولكن في علم الطبيعة ولأن الكون يسير وفق نظام فإن المطر يحدث بما يُعبّر عنه بدورة الماء في الطبيعة، مفادها بأن ماء البحار والمحيطات والأنهار والينابيع يتبخر، فيشكل دخان في السماء ويتكثف بمقدار معين فينزل ماء أو بردا أو ثلجا باختلاف الزمان والمكان.
ومنه أن يكون مراحل تكوين الإنسان من جنين في بطن أمه، إلى رجل يمشي ويتكلم وهكذا.
وحتى هذا الشيء نجده في الدين، فلقد تسلسل الدين بالأنبياء على عدة شرائع وكان تمامه وكماله في الإسلام، فما الذي يمنع من تسلسل الإنسان بالتطور والارتقاء؟
٤- راجعت نهج البلاغة، وعدد من الروايات من بحار الأنوار وتعبت في إيجاد رابط أو فهم معاني المعصوم، ولا أدري هل كان بعضها على ظرف تقيّة، أو تحدث بما يستطيع المتلقي أن يفهم أو أراد أن يستخدم كنايات، عمومًا وكما أسلفت بأني لست أهلًا للبحث في غير مجال تخصصي. هل تستطيع أن تفيدني في ذلك؟
الجواب
ج: تعقيباً على ما تفضلت به أحببت كتابة السطور التالية :
1 – لا يدعي أحد من الدينيين إمكان المزاوجة بين الدين والنظريات العلمية بشكل دائم ، وإنما المدعى عدم المعارضة بين الدين والحقائق العلمية ، ولا يوجد بيد العلم حتى الآن ما ينقض بهذا الادّعاء .
2 – إن فصل العلم التجريبي عن العلوم المنطقية والفلسفية خطأ فكري فادح ، إذ لو عزلناها عنها للزم القول مثلاً بصحة نظرية داروين وخطئها في الوقت نفسه ، إذ لا يوجد بحسب الفرض قانون فلسفي يمنع من اجتماع النقيضين .
3 – إن الدفاع عن الدين ليس واجب رجل الدين فحسب ، بل هو واجب كل من ينتمي إلى الدين ، وكلٌ يدافع بحسبه ، ولا أظننا نستطيع أن نغفل جهود مثل الشهيدين الصدر والمطهري والسيد العلامة الطباطبائي ( قدست أسرارهم ) في دحض أسس الماركسية ونقضها ، وما كان ذلك إلا دون طاقتهم .
4 – ليست المشكلة الأساسية في الإيمان بالنظرية الداروينية – رغم أنها محل مناقشة وإشكال – وإنما المشكلة في الاستفادة منها في إنكار الخالق ، مع أنها لا تثبت أكثر من تطور الخليّة الأولى ، ويبقى السؤال عن موجدها على حاله ينتظر الإجابة .
5 – وأما بالنسبة لما تفضلتم به من مراجعة النهج والبحار ، وعدم قدرتكم على فهم كلام المعصوم ( عليه السلام ) ، فإنكم تتحدثون عن جهة غامضة بالنسبة لي ، لأنني لا أعلم ماذا راجعتم من الروايات ؟ ولا أدري ما الذي تسعون لربطه بها ؟ ولذا لا أستطيع التعليق .
6 – ذكرتم أنكم قرأتم مجموعة من كتب أعلامنا ، ككتابي العلمين الأصفهاني وآل ياسين فيما يرتبط بأصل الخلق ومناقشة نظرية داروين ، وأنا أتصور بأن هذه الكتب وأمثالها كانت تناقش النظرية على ضوء المعطيات العلمية قبل عقود من الزمان ، ولا يخفاكم مدى القفزات النوعية التي ارتقاها العلم خلال هذه المدة من الزمان ، ولذا قد تشعرون بأن تلك الكتب لا تمس النظرية بحسب نسختها الحديثة ، فالأحرى بكم أن تقرأوا الكتابات الجديدة التي كُتبت في نقد النظرية ، ككتابات د عمرو شريف مثلاً ، فإنها تعتمد المعطيات العلمية الجديدة في نقد النظرية .
وختاماً : ألتمس دعواتكم ، وتمنياتي لكم بدوام التوفيق .