س: بالنسبة لدية ( حلق اللحية ) هل تثبت على الحالق للمحلوق في صورة إكراه وعدم رضا المحلوق فقط ؟ أم حتى مع رضاه واختياره ، بل وطلبه ذلك ، فتكون حقاً للمحلوق على كلَّ حال ، له أخذها إن أراد ، والتنازل عنها إن شاء ؟ أم أنَّها تعطى للمحلوق في صورة عدم الرضا فقط ، وللحاكم الشرعي في صورة الرضا ؟
وهل تثبت لحلق اللحية كلها ؟ أم يكفي حلق بعضها ، كأن يحلق السكسوكة ويبقي العارضين أو العكس ؟
وهل يجب على الحالق دفعها ، سواء طولب بها أم لم يُطالب ، علمَ المحلوق باستحقاقه لها أم لم يعلم ؟ وعلى فرض ذلك : هل يجب على ورثة الحالق إخراجها من التركة واعطاؤها للمحلوق أو ورثته ؟
الجواب
ج: بسم الله الرحمن الرحيم ، للإجابة عن جميع الفروع المذكورة في السؤال لابدَّ من الفراغ عن مقدمتين :
أ – المقدمة الأولى : أنَّ عنوان ( الجناية ) دخيلٌ في تحقق موضوع ( الدية ) عرفاً ، وتشهد لذلك تعريفات الفقهاء للدية ، فعن الشهيد الثاني ( قده ) في ( مسالك الإفهام ) 15 / 315 أنها : ” المال الواجب بالجناية على الحر في نفس أو ما دونها ” ، وتبعه في ذلك سيد الرياض ( قده ) – رياض المسائل : 14 / 173 – وشيخ الجواهر ( قده ) – جواهر الكلام : 43 / 2 – وعرّفها المحقق الخوئي ( قده ) – في تكملة منهاج الصالحين : 95 – بأنها : ” المال المفروض في الجناية على النفس أو الطرف أو الجرح أو نحو ذلك ” ، وعليه فما لم تتحقق الجناية لا يتحقق موضوع الدية عرفاً .
ب – المقدمة الثانية : أنَّ ( الدية ) من سنخ الحقوق ، وليست من سنخ الأحكام ، والفرقُ بين الحقوق والأحكام – كما هو محققٌ في محله – على مذاق المشهور : أنَّ الحقوق قابلةٌ للإسقاط بخلاف الأحكام ؛ ولذا فإنه يصح التنازل عن الدية وإسقاطها عن الجاني بلا خلاف .
وبعد الفراغ من هاتين المقدمتين يقال : إنَّ الظاهر من إفتاء الفقهاء ( أعلى اللهُ كلمتهم ) بثبوت الدية في حلق اللحية – على تفصيلٍ مذكورٍ في محله من كتاب الديات – : أنَّ مورد ثبوتها هو خصوص حلق اللحية فيما لو عُدَّ جنايةً على المحلوق ، وبالتالي قد يُقال : إنَّ الحلق إذا كان برضا المحلوق وطلبه لا يكون موجباً للدية شرعاً ؛ لعدم صدق عنوان ( جناية ) الحالق على المحلوق في هذا الفرض .
وأما بالنسبة لتعميم الحكم المذكور حتى لحلق بعض اللحية فقط : فهو ما يظهر من مرسلة الدعائم ، حيث جاء فيها : ” في اللحية تنتف أو تحلق أو تسمط – فلا تنبت – الدية كاملة ” – جامع أحاديث الشيعة : 26 / 431 – فإنَّ عنوان نتف اللحية يصدق حتى ولو كانت الإزالة جزئية لا كلية .
ولو نوقِشَ في سندها : بالإرسال ، وفي دلالتها : باحتمال الخصوصية لعنوان النتف ، وبالتالي فلا تشمل الإزالة الجزئية بالحلق ، فإنَّ الظاهر أنَّ الفهم العرفي مُستقرٌ على عدم التفكيك بين الحلق الكلي للحية والحلق الجزئي ؛ لصدق عنوان ( الجناية ) عليهما معاً .
وبما أنَّ الديةَ من الحقوق – كما قد اتضح – المتعلقة بالذمة بمجرد تحقق الجناية ، فإنه يلزم على الحالق دفعها لمستحقها ، إبراءً لذمته ، سواء طُولِبَ بها أم لا ، اللهمَّ إلا أن تكشف عدم مطالبة ( المحلوق ) عن إسقاطه لحقه عن ( الحالق ) ، فحينئذ تسقط الدية عن ذمته بالإسقاط ، ولا يلزمه دفعها للمحلوق ، والله العالم .