سؤال حول بدانة الإمام الباقر (ع) وتركه صيام شعبان

س: وقعنا على بعض النقل في صفة الإمام الباقر عليه السلام بأنه كان بديناً فما صحة ذلك؟

الإمام الباقر والتصالح مع السمنة

لا يخفى على أي مطلع لسيرة أئمة أهل البيت أن الإمامين الباقر والهادي كانا متصفين بالسمنة و البطنة خلافا لما كان عليه بقية الأئمة الطاهرين عليهم السلام أجمعين.

فمما جاء عن الإمام الباقر أنه كان لا يستطيع أن يحرث أرضه إلا متكئا على غلمانه لثقل وزنه. وأيضا جاء في بعض الأخبار أنه قضى أربعة عشرة يوما من شهر شعبان لم يُر فيها صائما قط وكان يتغدى كل يوم فيها بلحم. وروى ابنه الصادق أن أباه لم يترك إلا سبعين درهما حبسها للحم، إنه كان لا يصبر عن اللحم.

بدانة الإمام ربما ترجع إلى عامل الوراثة بجانب وجود عامل آخر يعود إلى أم الإمام الباقر السيدة فاطمة ابنة الحسن التي كانت تحسن صنع الطعام حتى أن أحد الشاميين حينما صادف الإمام الباقر في الطريق قال له: أأنت البقرة؟ فرد الإمام: بل أنا الباقر، فقال أأنت ابن الطباخة؟ فأجاب تلك حرفتها، مما يشير أن أمه كانت محترفة في الطبخ و مشهورة بذلك ولا غرابة بعدها أن يكون الإمام بدينا.

و من لطيف ما يحكى في سيرة الإمامين السبطين في يوم عرفة، أن أحد الحجاج مر على خيمة الإمام الحسين فلم يجد فيها زادا كثيرا وكان ضيوفه في خيمته من الصائمين، وبعد أن غادرها إلى خيمة أخيه الإمام الحسن، تعجب أن فيها ألوانا من الأطعمة و الأشربة وضيوفه من المفطرين، فسأل هذا الحاج الإمام الحسن عن فارق ما وجد بين الخيمتين، فتبسم الإمام الحسن وأجابه أنني إمام المفطرين و أخي الحسين إمام الصائمين، ونفعل ذلك توسيعا على أمة جدنا رسول الله.

ونظرة سريعة على المجتمع يبدو أمر السمنة و كأنه أمر تكويني لا يد للإنسان فيه إلا قليلا، فكما خلق الله الناس بأطوال متفاوتة، كذلك الأمر مع البطنة. وكشاهد على ذلك أن الكثيرين جدا ممن نحفوا عادوا إلى سالف عهدهم من البدانة مما يثبت أن سلطة الإنسان على سمنته محدودة.

ما أحوج البدناء في هذا الزمان إلى التصالح و التعايش مع بدانتهم والعيش في سلام دائم مع أحجامهم التكوينية الطبيعية، وتجنب ما يٌكتب عن الريجيم و الحميات وكل ذلك مما لا طائل وراءه و لا فائدة ترجى منه بشرط ألا تزيد أوزانهم أكثر مما هي عليه قبل عيد الأضحى.

أحمد بوبراهيم – 19 أغسطس 2018

 

الجواب

ج: لأجل التعليق على المقال المذكور نحتاج بيان النقاط التالية :

1 – الأولى : إنّ الأنبياء والرسل والأئمة عليهم السلام لهم جنبة بشرية طالما أكدّ عليها القرآن الكريم ، كما في قوله : { قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم } ، وبمقتضى هذه الجنبة فإنهم يشاركون البشر في اختلاف ألوانهم وأحجام أجسامهم ، وإن كانوا يختلفون عنهم في بعض الخصائص والمزايا .

وقد أوضحت النصوص الشريفة – وبحث ذلك علماء الكلام في بحث النبوة – أنّ سر هذا الاشتراك هو إقامة الحجة على الناس ؛ إذ لو لم يكن السفير عن الله تعالى من جنس البشر لاحتجوا بعدم القدرة على متابعته ، لاختلاف جنسه ، فقطع الله تعالى طريق الاحتجاج عليهم بتوحيد رسله إليهم معهم في الجنس .

2 – الثانية : إنّ مشاركتهم ( عليهم السلام ) للجنس البشري في الخصائص العامة تقتضي بالضرورة أن يكون بعضهم ضعيف البنية بينما البعض الآخر يكون ممتلئاً نشيطاً ، كما هو حال عامة البشر .

3 – الثالثة : إنّ الامتلاء الجسدي – كما يعرف ذلك كل أحد – مما لا يرتبط بالضرورة بكثرة الأكل ، فقد يكون الشخص كثير الأكل ولكنه ضعيف البنية ، وقد يكون قليل الأكل ولكنه ممتلئ الجسم ، وقد رأينا في حياتنا نماذج لكلا الصنفين .

وعليه ، فإنّ ما حاوله الكاتب من ربط امتلاء جسد الإمام عليه السلام بكثرة أكله محاولة غير موفقة ؛ لأنه قد استشهد على ذلك بشاهدين ، وكلاهما لا يدلان على مطلوبه .

* أما استشهاده بكون الإمام ( عليه السلام ) لحمياً : فلأنّ أقصى ما يدل عليه هو أن اللحم كان هو الإدام المفضل للإمام عليه السلام ، الذي يتناوله بصورة غالبة ، وليس ذلك إلا لكونه الأنسب لحاجة جسده وصحته العامة بحسب معرفته بحال نفسه ، ولا يدل على أكثر من ذلك .

* وأما استشهاده برواية ( ابن الطباخة ) لأجل استفادة أنّ الإمام عليه السلام كان كثير الأكل ، نظراً لجودة طبخ أمه رضوان الله تعالى عليها ، فهو استشهاد عجيب جداً ؛ إذ أنّ القائل الذي وصف الإمام بالوصف المذكور قد وصفه به في مقام تنقيصه والاستهزاء به ، فإنه بعد أن قال له : ( أنت بقر ) قال له : ( أنت ابن الطبّاخة ) ، ثم قال له : ( أنت ابن السوداء الزنجية البذية ) ، والإمام كان يرد عليه تلك التجاوزات مع تمام الصبر والحلم والحكمة ، فحين قال له ( أنت بقر ) أجابه بقوله ( أنا باقر ) ، وحين قال له ( أنت ابن الطباخة ) أجابه ( ذاك حرفتها ) ؛ إذ أن الطبخ حرفة كل ربة بيت ، وليس مراده أنها كانت تمتهن الطبخ كمهنة عامة ، أو أنها كانت متمرسة فيه ، ولا أقلّ من عدم إمكان الجزم بذلك .

فالعجب كيف غاب عن الكاتب كل ذلك ، وأمسك بالوصف الذي أطلقه ذلك الشخص المتطاول على حريم الإمام عليه السلام ، غافلاً أو متغافلاً عن كونه في مقام التهكم على الإمام عليه السلام والاستهزاء به ؟!

ثم على فرض أنّ الوصف المذكور كان وصفاً واقعياً ، فمن الواضح أنه لا ملازمة بين ثبوته وبين كون الإمام عليه السلام كثير الأكل حتى بمستوى الملازمة العادية .

4 – الرابعة : إنّ الأفعال – كما يقول الأصوليون – صامتة لا لسان لها ، وبالتالي فلا يمكن الجزم بتفسيرٍ محددٍ لها ، ومَن فسرها بتفسيرٍ مّا من غير دليل له عليه فقد رجم بالغيب وقال بغير علم ، فمثلاً : مَن رأى شخصاً يأكل في نهار شهر رمضان ، فإنه ليس له أن يفسر ذلك بأنه منتهك لحرمة الشهر الكريم ، لاحتمال أن يكون معذوراً لمرض أو سفر أو غير ذلك ، بل نحن مأمورون شرعاً بحمل الفعل المبهم على أحسن وجه محتمل ، وهو ما عبّر عنه الفقهاء بقاعدة أو أصالة الصحة .

وعلى ذلك ، فإنّ عدم صيام الإمام الباقر عليه السلام أياماً من شهر شعبان لا يعني عدم اهتمامه باستحباب الصيام فيه ، إذ ما هو إلا فعل ، والفعل – كما ذكرنا – مبهم لا لسان له ، وبالتالي فوظيفتنا هي توجيه الفعل المذكور بأحسن ما يمكن توجيهه به ، ككون الإمام عليه السلام معذوراً عن الصيام حينها أو نحو ذلك ، وليس بحمله على ما لا يليق بشأنه ، فإنّ ذلك مما يجب أن نربأ عنه في تفسير أفعال سائر المؤمنين فما بالك بفعل الإمام المعصوم عليه السلام ؟!

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *