س: مسألة تخطر ببالي كل سنة في مولد الإمام الباقر عليه السلام.. إذا كان جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه مكفوف البصر في زيارته لقبر الحسين عليه السلام، فكيف رأى جابر مولانا الباقر عليه السلام؟
الجواب
ج: كونه مكفوفاً يوم الأربعين من صغريات الكبرى المشهورة : ( ربّ مشهور لا أصل له ) ، فإنّ من قال بذلك استند إلى بعض الفقرات الواردة في رواية زيارته يوم الأربعين ، مثل فقرة ( ألمسنيه ) حين دنا من القبر ، أو فقرة ( خذني نحو أبيات كوفان ) بعد أن انتهى من الزيارة ، والحال أنّ هذه الفقرات لا تدل على أكثر من طلب العون والمساعدة بالنحو المألوف عند كبار السن ، لكون جابر حينها قد تجاوز الثمانين من العمر ، ولا ظهور لها في كونه مكفوف البصر .
والعجيب أنّ في فقرات هذه الرواية ما هو نص صريح في كونه مبصراً ، نظير الفقرة القائلة : ( ثم جال ببصره حول القبر ) ، فكيف قُدّمت تلك الفقرات – رغم ضعف ظهورها في العمى ، إن كان لها ثمة ظهور – على هذه الفقرة ؟! لعلّ السبب هو ما سنشير إليه في آخر الجواب .
نعم ، هنالك بعض الروايات التي تشير إلى أنّ جابراً قد كُفّ في آخر عمره ، ويمكن أن يكون ذلك بعد لقائه للإمام الباقر ( عليه السلام ) ، إذ الظاهر من بعض روايات اللقاء – وصريح بعضها الآخر – كونه مبصراً عند لقائه به ، فقد ورد في رواية الخرائج وهي تتحدث عن لقاء جابر بالإمام ( عليه السلام ) : ( فلما نظر إليه قال : يا غلام أقبل ، فأقبل ) وهذه الرواية نص في كونه مبصراً حين اللقاء .
ووردَ في رواياتٍ أخرى : ( قال له جابر : يا بني أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، فقال : شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله ) ، وهذا كما ترى ظاهر – إن لم يكن صريحاً – في كونه مبصراً ، وجديرٌ بالذكر أنَّ هذا اللسان قد وردَ في روايات معتبرة السند ، ومنها رواية الشيخ الصدوق طاب ثراه في أماليه .
ومن هنا يُعلم أنّ الأخبار التي صرّحت بكونه مكفوفاً عند اللقاء – كخبري الإرشاد وكشف الغمة – لا مقاومة لها لهذه الطائفة من الروايات ؛ إذ تلك مرسلة ، بينما هذه معتبرة الإسناد ، وهي أرجح منها عند التعارض .
ولا يفوتنا في الختام أن نشير إلى أنّ الروايات المذكورة – التي أشارت إلى كونه قد كُفّ في سنيه الأواخر – لعلّها هي التي كوّنت صورةً في الأذهان عن جابر الأنصاري بأنه رجل مكفوف ، وبسبب هذه الصورة المرتكزة في الأذهان استوحى بعض الخطباء ذلك من فقرات رواية زيارة الأربعين .
أحسنتم مولانا