س: تعليقًا على جوابكم على سؤال [لماذا خلق الله الملائكة؟] قد يقال: إذا قلنا أن الله عز وجل خلق الملائكة للمساهمة في التدبير فهذا يدل على حاجته إليهم، وهذا ينافي التوحيد في الأفعال؛ إذ الله غير محتاج لأحد لتدبير الأمور، فكيف نجيب عن ذلك؟
الجواب
يتضح الجواب عن الإشكال المذكور بالالتفات إلى أمور :
أولًا : إن دور الملائكة في التدبير ممّا صرّح به القرآن الكريم ، كما في قوله تعالى : { فالمدبرات أمراً } .
ثانيًا : إن الحكمة الإلهية قد اقتضت أن يسير الكون وفق نظام الأسباب والمسبّبات ، كما في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: ( أبى الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها ) ، وقاعدة السببية مما يدركه العقل بالبداهة ، وهذا لا يعني بحالٍ حاجته تعالى لسببٍ من تلك الأسباب .
ثالثًا : إن وجود الأسباب لا ينافي التوحيد الأفعالي ؛ إذ المقصود به عدم وجود مؤثر على نحو الاستقلال إلا الله تعالى ، بينما تأثير الأسباب في مسبّباتها تأثير إفاضي إذني لا وجود له لولا المشيئة الإلهية ، ولو أنكرنا وجود هذا النحو من التأثير الإفاضي في الأسباب الطبيعية – بحجة التوحيد الأفعالي – لخالفنا وجداننا .
رابعًا : إننا كدينيين كما نعتقد بتأثير الأسباب الطبيعية ، نعتقد أيضًا بتأثير الأسباب الغيبية ، فقد يشفى المريض بتناوله الدواء ، وقد يشفى بتأثير الدعاء والتوسل .
ومن مجموع هذه الأمور : يتّضح أن دور الملائكة في تدبير الكون أشبه ما يكون بدور القوانين الطبيعية ، غاية ما في الأمر أن هذه أسباب مادية وتلك أسباب غيبية ، وكما لا تنافي القوانين التوحيد الأفعالي ، فإن دور الملائكة لا ينافيه ، بل دورهم في الحقيقة مظهر لقدرة الله تعالى ومجلى من مجالي مشيئته التكوينية .