أسئلة حول بعض أحداث واقعة الطفّ

عظم الله لكم سيدنا العزيز بمصاب سيد الشهداء وأحسن الله لكم العزاء وأدام روحك العالمة في خدمة العترة الطاهرة ولكم جزيل الشكر على هذه المحاضرات .. في أيام أبي عبد الله سمعنا من بعض الخطباء أشياء فلم أجد من يجيب عليها إلا سماحتكم لثقتنا بكم ..

 

السؤال الأوّل

إن سيد الشهداء – وأعتذر على ما أكتب، فقط لنقل المعلومة – لم يطأ صدره المقدس الشمر اللعين ولا توجد في الروايات مثل هذا الكلام وإن هذا الخطيب يستنكر على من يقول بذلك وإنما فقط رفسهُ برجله ؟؟!!

 

بسمِ الله الرحمن الرحيم ، وبمددِ أوليائهِ أستعين

إنَّ النصوص الواصلة إلينا من طريق العامة والخاصة تؤكد على انتهاك اللعين شمر بن ذي الجوشن الضبابي لحرمة الصدر المقدّس لسيد الشهداء الحسين ( عليه آلاف التحية والثناء ) ، ولا بأس بالإشارة إلى بعضها :

أ – ما ورد عن الإمام الحجة ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) : ” فلما رأين النساء جوادك مخزياً ، ونظرن سرجك عليه ملوياً ، برزن من الخدور ، ناشرات الشعور على الخدود ، لاطمات الوجوه ، وبالعويل داعيات ، وبعد العز مذللات ، وإلى مصرعك مبادرات ، والشمر جالس على صدرك ، مولغ سيفه على نحرك ، قابض على شيبتك بيده ، ذابح لك بمهنده ” .

ب – ما نقله القندوزي الشافعي في ( ينابيع المودة لذوي القربى ) 3 / 82 – 83 عن الخوارزمي في مقتله ، قال : ” ثم دنا منه سنان ، ففتح عينيه في وجهه فارتعدت يده وسقط السيف منها وولى هارباً ، فأقبل إلى سنان الشمر اللعين وقال له : ثكلتك أمك مالك رجعت عن قتله ؟ فقال : يا شمر إنه فتح عينيه في وجهي فذكرت هيبة أبيه علي بن أبي طالب ففزعت فلم أقدر على قتله . فقال له الشمر الملعون : إنك جبان في الحرب ، فوالله ما كان أحد غيري أحق مني بقتل الحسين . ثم إنه ركب على صدره الشريف ، ووضع السيف في نحره ، وهم أن يذبحه ، ففتح عينيه في وجهه ، فقال له الحسين : يا ويلك من أنت فقد ارتقيت مرتقى عظيماً ؟ فقال له الشمر : الذي ركبك هو الشمر بن ذي الجوشن الضبابي ” .

ج – ما نقله المحدثان الكبيران : صاحب البحار وصاحب العوالم ( أعلى الله مقامهما ) عن المناقب ، وقد جاء فيه : ” فغضب شمر منه ، وجلس على صدر الحسين ( عليه السلام ) ، وقبض على لحيته ، وهم بقتله ، فضحك الحسين ( عليه السلام ) وقال له : أتقتلني ؟ أو لا تعلم من أنا ؟ قال : أعرفك حق المعرفة ، أمك فاطمة الزهراء ، وأبوك علي المرتضى ، وجدك محمد المصطفى ؛ وخصمك الله العلي الأعلى ، وأقتلك ولا أبالي . وضربه بسيفه اثني عشرة ضربة . ثم حز رأسه ” .

وعلى ذلك ، فإنكار وجود ما يدل على صعود أخبث خلق الله على صدر خير خلق الله ، اشتباهٌ واضحٌ جداً .


السؤال الثاني

نفس هذا الخطيب قال أيضاً : إن سيد الشهداء لم يُخرج عبد الله الرضيع في يوم عاشوراء ؛ لأن الوضع حرب وليس طلب ماء للأطفال ، ويقول إذا أخذنا بأنه أخرجه فإنّ ذلك فقط لرفع الحجة عن سيد الشهداء ؟؟!!

 

بسمِ الله الرحمن الرحيم ، وبمددِ أوليائهِ أستعين

إنَّ هناك المزيد من النصوص التاريخية التي تؤكد مقتل عبد الله الرضيع على يدي أبيه سيد الشهداء الحسين ( عليهما آلاف التحية والثناء ) ، وهي واردة من طريق العامة والخاصة ، ولا بأس بالإشارة إلى بعضها :

أ – منها : ما رواه أبو مخنف في مقتله المشهور ، حيث قال : ” ثم أقبل الحسين ( عليه السلام ) إلى أم كلثوم ، وقال لها : يا أختاه ! أوصيك بولدي الصغير خيراً ، فإنه طفل صغير ، وله من العمر ستة أشهر . فقالت له : يا أخي ! إن هذا الطفل له ثلاثة أيام ما شرب الماء ، فاطلب له شربة من الماء ، فأخذ الطفل وتوجه نحو القوم وقال : يا قوم ! قد قتلتم أخي وأولادي وأنصاري ، وما بقي غير هذا الطفل ، وهو يتلظى عطشاً ، فاسقوه شربة من الماء . فبينما هو يخاطبهم إذ أتاه سهم مشوم من ظالم غشوم ، وهو حرملة بن كاهل الأسدي ، فذبح الطفل من الوريد إلى الوريد ، أو من الأذن إلى الأذن ، فجعل الحسين ( عليه السلام ) يتلقى الدم حتى امتلأت كفه ورمى به إلى السماء .

ب – ومنها : ما نقله ابن الجوزي عن هشام بن محمد الكلبي ، قال : ” فالتفت الحسين ، فإذا بطفل له يبكي عطشاً فأخذه على يده ، وقال : يا قوم إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل ؛ فرماه رجل منهم بسهم فذبحه ” .

ج – ومنها : ما نقله القندوزي الشافعي ، قال : ” قالت أم كلثوم : يا أخي إن ولدك عبد الله ما ذاق الماء منذ ثلاثة أيام ، فاطلب له من القوم شربة تسقيه ، فأخذه ومضى به إلى القوم وقال : ” يا قوم لقد قتلتم أصحابي وبني عمي وإخوتي وولدي ، وقد بقي هذا الطفل وهو ابن ستة أشهر يشتكي من الظمأ فاسقوه شربة من الماء ، فبينا هو يخاطبهم إذ أتاه سهم فوقع في نحر الطفل فقتله ” .

ومع وجود كل هذه النصوص ، ولها نظائر كثيرة جداً ، لا يُصغى لمن ينكر ذلك ، ولا يُقبل منه تبرير الإنكار بأنَّ الوضع وضع حرب ، فلا يناسب طلب الماء ؛ إذ المعركة الحسينية لم تكن مجرد معركة حرب كما يُتوهم ، وإنما كانت مشروعاً إلهياً أراد من خلاله الإمام الحسين ( عليه السلام ) أن يكشف زيف بني أمية ، ويعريهم حتى عن الإنسانية ؛ ليفيق المسلمون من غفلة الانقياد لهم ، وتسليمهم الزمام فيما يرتبط بسائر شؤون الدين والدنيا .


السؤال الثالث

وخطيب آخر يقول بأن سيدتي ليلى أم علي الأكبر لم تكن موجودة في كربلاء مع سيد الشهداء ؟؟!!

 

بسمِ الله الرحمن الرحيم ، وبمددِ أوليائهِ أستعين

حضور مولاتنا السيدة ليلى أمّ مولانا وسيدنا علي الأكبر ( عليهما التحية والسلام ) في كربلاء ، وإن كانت جلُّ كتب المقاتل لم تتعرض له لا نفياً ولا إثباتاً ، إلا أنَّ الشيخ ابن شهر آشوب ( قده ) – وهو من مفسري ومحدثي ومؤرخي علمائنا المتقدمين – قد أشار إليه في كتابهِ الشهير ( مناقب آل أبي طالب ) حيث قال : ” فطعنه مرة بن منقذ العبدي على ظهره غدراً ، فضربوه بالسيف ، فقال الحسين : على الدنيا بعدك العفا ، وضمه إلى صدره ، وأتى به إلى باب الفسطاط ، فصارت أمه شهربانويه وهي تنظر إليه ولا تتكلم ” .

وهذا النص صريحٌ جداً في حضور والدة علي الأكبر ( عليهما التحية والثناء ) في كربلاء ، ولا ملاحظة عليه سوى أنه قد سبقَ إليه اسم والدة علي بن الحسين زين العابدين ( عليه آلاف التحية والسلام ) عوضاً عن اسم والدة أخيه علي بن الحسين الأكبر ( عليه التحية والثناء ) .


السؤال الرابع

أريد من سماحتكم أن توضح لي هذا السؤال دائماً أسألهُ ولا أجد من يجيبني : كم عمر سيدي علي الأكبر وزين العابدين في واقعة كربلاء ؟؟!!

 

بسمِ الله الرحمن الرحيم ، وبمددِ أوليائهِ أستعين

الأقوال في ذلك مختلفة أشدَّ الاختلاف ، والنصوص كذلك أيضاً ، فعلى رواية الشيخ المفيد ( قده ) أنَّ مولانا علي بن الحسين الأكبر ( عليه السلام ) كان ابن تسعة عشر سنة ، وعلى رواية غيره أنه كان ابن خمسة وعشرين سنة ، ولعلَّ القول الثاني هو الأرجح ؛ إذ أنّ عمر الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) يوم كربلاء كان ثلاثة وعشرين سنة، وبما أنَّ علي الأكبر كان أكبر سنّاً منه – كما يشهد بذلك قول الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) لابن زياد : ” لقد كان لي أخ أكبر مني ، اسمه علي ، قتله الناس ” – فيكون ذلك موجباً لترجيح القول الثاني .


السؤال الخامس

إن ما نسمعه على لسان الخطباء ، ولقد سمعناه على لسان سماحتكم في ليلة دفن سيد الشهداء : أن الامام زين العابدين لم يعرف الناس أن من كان يأتيهم بالصدقات إلا بعد موته ، فكيف يكون ذلك ؟ فهل الإمام الذي يليه يترك الناس المحتاجة بعد وفاة والده ؟؟!!

 

بسمِ الله الرحمن الرحيم ، وبمددِ أوليائهِ أستعين

ليس بالضرورة أن يكون الإمام اللاحق ( عليه السلام ) قد ترك مساعدة الناس المحتاجين بعد رحيل الإمام السابق ؛ إذ من المحتمل جداً أن يكون الإمام اللاحق قد تركَ مساعدة المحتاجين على النحو الذي كان ينهجه الإمام السابق فقط ، من أجل مصلحة من المصالح المهمة ، كتعريف الناس بعظمة نهج الإمام السابق وأدواره الخفية ، ولكنه في الوقت نفسه كان يعينهم ويساعدهم بطريقة مختلفة لم ينقلها لنا التاريخ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *