ما معنى قراءة الحسين (ع) للوحي قبل نطقه؟

س: في النص على سيد الشهداء (ع) يوجد خبر في الكافي والبحار [الحديث ٢ ص٣٠٧ مجلد ٤٣] مفاده أن الإمام الحسن (ع) يحدث محمد الحنفية فيقول له كلامًا في إمامة الحسين (ع) فيرد محمد بكلام جاء فيه: “الحسين أعلمنا علمًا، و أثقلنا حلمًا، وأقربنا من رسول الله صلى الله عليه وآله رحمًا، كان فقيهًا قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق”، فكيف نفهم هذه العبارة “وقرأ الوحي قبل أن ينطق”؟

الجواب

ج: لأجل إيضاح المقصود من العبارة المذكورة يلزم بيان أمور :

الأمر الأول : إن القراءة في اللغة تأتي على معان ، والمرتبط منها بالمقام معنيان :

  • الأول : جمع الشيء وضمه إلى بعضه البعض ، ومن هذا الباب جاءت تسمية المصحف الشريف بـ ( القرآن ) .
  • الثاني : التلاوة ، سواء كان المتلو  منظوراً ، كما في ( قرأت الكتاب ) ، أو غير منظور ، كما في قولك ( قرأت عن ظهر قلب ) .

ولا منافاة بين هذين المعنيين ، بل هما مترابطان ، فالأول في رتبة المعد للثاني ؛ إذ ما لم يتحقق جمع المتلو في رتبة سابقة لا تمكن تلاوته في رتبة لاحقة ، كما هو ظاهر .

الأمر الثاني : إنَّ الوحي جاء محلى بألف ولام الجنس ، وفي هذا إشارة إلى أنّ الوحي المعني ليس وحياً خاصاً باعتبار الموحى إليه ، كالوحي المحمدي ، أو باعتبار نوعه ، كوحي التشريع ، أو باعتبار كيفيته ، كالوحي المباشر أو من وراء حجاب .

الأمر الثالث : إن حقيقة الوحي مجهولة الكنه ، ولكن القدر المتيقن أنه أمر ملكوتي معنوي ، ولا يسانخ عالم المادة بأي نحو من أنحاء التسانخ .

الأمر الرابع : إن عبارة ” قبل أن ينطق ” تحتمل ثلاثة احتمالات :

  • الأول : قبل أن يُخلق ، ويكون هذا من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم ؛ إذ النطق من لوازم الخلق .
  • الثاني : قبل أن يتكلم ، فيكون هذا التعبير كناية عن الأيام الأولى من حياته المباركة .
  • الثالث : قبل أن يوضح ويبيّن ؛ إذ البيان والإيضاح أحد معاني النطق .

ولعلّ الأرجح من هذه الاحتمالات – بقرينة العبارة السابقة ، وهي ( كان فقيهاً قبل أن يخلق ) – هو الاحتمالان الأولان .

وعلى ضوء هذه الأمور الأربعة نقول : إنّ الفقرة المذكورة تثبت عدة خصائص شامخة لسيد الشهداء ( عليه السلام ) .

منها : جمعه – قبل وجوده في هذا العالم – لجميع الوحي السماوي النازل على أنبياء الله تعالى من آدم إلى الخاتم صلى الله عليه وآله ، وتلاوته له من ألفه إلى يائه ، بجميع أنواعه وأقسامه . فيصدق عليه أنه ( الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل ، والمهيمن على ذلك كله ) .

ومنها : أنَّ له ( عليه السلام ) وجوداً لا يسانخ وجود هذه النشأة ، ليتسنى له من خلاله أن يحيط بالوحي المغاير لها في السنخية ؛ إذ السنخية – كما قال أهل المعقول – علة الانضمام ، وليس هذا الوجود المسانخ للوحي إلا الوجود النوري ، فإن حقيقتهما الملكوتية واحدة .

ومنها : أن وجوده الأقدس ( عليه السلام ) عين الوجود المحمدي ، لتحمله من الوحي ما لا يتحمله إلا النبي صلى الله عليه وآله ، وهو ما أشار إليه القرآن بقوله : ( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ) ، فإن هذا النحو من الوحي يندرج ضمن عموم ( وقرأ الوحي ) ولولا أن حقيقته هي عين الحقيقة المحمدية لما تسنى له ذلك .

وهناك خصائص أخرى نطوي عنها ، لئلا يطول المقام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *