س: ورد في زيارة مولاتنا الشهيدة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام: (السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الله قبل أن يخلقك)، لماذا تم التعبير بالخلق مع أن عالم الملك هو عالم الخلق وعالم الملكوت هو عالم الأمر؟ ولماذا تم تعبير بالامتحان؟
الجواب
باسمه تعالى أبدأ، وبمدد الزهراء أستعين
ج: لو سلمنا بورود التعبير المذكور في الزيارة مورد الاصطلاح، فلا شك في أنَّ التعبير بالخلق هو المتعين؛ إذ أنَّ الزيارة بقرينة تقديمها للامتحان على الخلق –مع ضميمة أنَّ الامتحان لا يكون إلا للموجود– يُستفاد منها: أنَّ المراد بالخلق هو الإيجاد في عالم الملك، لا مطلق الإيجاد، إذ لو كان يراد به مطلق الإيجاد لما صحّ وقوع الامتحان قبله؛ ضرورةَ أنَّ الامتحان لا يصدق مع عدم وجود مُمتَحَن.
وأما التعبير بالامتحان فهو يحتمل احتمالين:
أ/ الأول: أن يكون المقصود من الامتحان: الاختبار، فيكون المقصود من الزيارة أن الله تعالى قد عرض على الصديقة الطاهرة (عليها السلام) ما سيجري عليها في هذا العالم قبل أن يوجدها فيه، فلم تقابل ذلك إلا بالصبر.
ولا يُقال: إنَّ هذا المعنى لا يتناسب مع كون الممتحن هو الله تعالى؛ إذ ليس يصدر الاختبار إلا من الجاهل؛ لأجل تحصيل العلم بحال من يختبره، والله تعالى هو العالم الذي لا تخفى عليه خافية.
فإنه يقال: إنَّ الهدف من الامتحان الإلهي ليس راجعاً إليه تعالى، وإنما هو راجع للعبد الممتحن، وغالباً ما يكون بالنسبة للأولياء إعلاء درجة وترقية رتبة.
ب/ الثاني: أن يكون المقصود من الامتحان: التصفية، كما في قوله تعالى: {الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى}، فيكون معنى الزيارة أن الله تعالى قد صفاها ونقاها من جميع الكدورات قبل أن يوجدها في العالم الملكي.
ولكن هذا الاحتمال لا يساعد عليه التفريع المذكور في نص الزيارة، وهو (فوجدك لما امتحنك صابرة)؛ إذ أنَّ هذه النتيجة تتفرع على الامتحان بمعناه الأول لا الثاني.
والحمد لله رب العالمين