س: نقرأ في المناجاة الشعبانية: (إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك)… وقد تأملت كثيراً في هذه الكلمات العظيمة النورانية، وانقدح في ذهني هذا السؤال: لماذا كان خطاب المعصوم (عليه السلام) مع ربه في أول الأمر بصيغة المفرد (هب لي)، ثم تحول الخطاب إلى صيغة الجمع (قلوبنا، أرواحنا) هل توجد نكتة معرفية في هذا الجانب؟
الجواب
ج: باسمه تعالى، إن الجواب عن سؤالكم يحتاج إلى بسطٍ في المقال تحول عنه كثرة الأشغال، ولكنني سأكتفي بالإشارة، فإن مثلكم لا يحتاج إلى تفصيل العبارة، ومحصلها: أن الذات التي تم التعبير عنها بكلمة (لي) واحدة غير متعددة، فناسبها الإفراد، بينما (القلب) و(الروح) -كما لا يخفى على المتتبع لاستعمالات القرآن والسنة- تطلق على أكثر من معنى، ولذا ناسب تعددها الجمع.
فإن قلتَ: إنّ ها هنا مضافاً – وهو القلوب والأرواح – ومضافاً إليه – وهو ضمير المتكلم – وما أفيد إنما يبرز نكتة جمع الأوّل دون الثاني.
قلتُ: إنَّ جمع الثاني يعود لنكتتين:
١- الأولى: لفظية، وهي المجانسة بين الجمع والجمع، ما دام يصح أن يعبَّر عن المفرد بالجمع.
٢- الثانية: معنوية، وهي: تحقيق التملّق والتبصبص – كما يعبّر عنه في بعض الأخبار – فإنَّ التملّق بين يدي الله تعالى في مقام دعائه ومناجاته هو أحد آداب الدعاء، لما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (عليكم بمسألة ذل وخضوع وتملّق وخشوع) وغيره من الروايات.
ببيان: إنَّ الترقي – في مقام إبداء الحاجة وطلبها – من لسان المفرد إلى لسان الجمع يعدّ من التملّق، نظير قول الفقير حين يطرق باب الغني: إني محتاج، بل جميع عائلتي محتاجون، أو الطالب حين يقول لأستاذه: إنني أحتاج إلى درجة منك، بل إنّ زملائي أيضاً محتاجون، فإنَّ هذا النحو من الترقي الذي يبرز أنَّ الحاجة حاجة الجميع، وليست خاصة بشخص المتكلم، يكون أدعى لتوجّه المدعو إلى الداعي واهتمامه بحاجته.
ولعلّ هذا هو أحد أسباب استحباب التعميم في الدعاء، الذي أكدّت عليه كثير من الأحاديث، ومنها: قول النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (إذا دعا أحدكم فليُعمّ، فإنه أوجب للدعاء).