أرجوزة (دوحةٌ من جنّةِ الغري)

  • أرجوزةٌ  تتناول حياة سماحة آية الله العظمى، مرجع الطائفة الأعلى، زعيم الحوزات العلميّة، سيّد الأساطين وأستاذ الفقهاء والمجتهدين، السيّد الخوئيّ، أعلى الله تعالى مقامه الشريف.
  • شرحها سماحة السيد الضياء في كتابه (دوحةٌ من جنّة الغري) المطبوع عام 1430هـ وكانت في 164 بيتًا.
  • استدرك عليها بعد ذلك فصار مجموع أبياتها 225 بيتًا.
البسملة
أبدأُ يا اللهُ بِاسْمِكَ الأعزْ
فكلُّ مَا بِكَ ابتدا – حتماً – نجزْ
ثُمَّ صلاتيْ وسلاميْ الدائمُ
على الذينَ قد نَمَاهُمْ هاشمُ
المصطفى والعترةِ المُطهَّرةْ
والشيعةِ الغُرِّ الكرامِ البررة
وصُبَّ يا ربّي مدى الأحقابِ
على عِدَاهمْ وابلَ العذابِ
واملأ قبورَهمْ بحرِّ النارِ
وخُذ بثأرِ العترةِ الأطهارِ
المدخل
وهذهِ أرجوزةٌ نظمتُها
بالسيِّدِ الخوئيِّ قد تَوَّجْتُها
تحكي لنا الأبعادَ مِن شَخصِيَّتِهْ
فهُوَ لنا القدوةُ في مسيرتِهْ
إشراقةُ النورِ
في رجبٍ من يومهِ الخامسْ عشرْ
شعَّ على العلياءِ نورُهُ الأغرْ
فاهْنَأ بخوئيِّكَ يا شهرَ رجبْ
فقد تساميتَ على أعلى الرُّتَبْ
فالسيِّدُ الخوئيُّ فيكَ أشرقا
وبـ”الوصيِّ المرتضى” قدِ التقى
بَلْ نورُهُ مِن نورِهِ تولَّدا
فأخجلَ الشمسَ وباهى الفرقدا
في “خُوي” قد كانَ بزوغُ نجمهِ
وفي “الغريِّ” كانَ مثوى جسمهِ
العروجُ العلميُّ
في أرضِ “خُويٍ” ابتدا مسيرتَهْ
والعلمُ والتحصيلُ كانَ قِبْلَتَهْ
لكنَّهُ كانَ له طُموحُ
أنْ ترتقيْ للمجدِ منهُ الروحُ
ولم تكن تُشبِعُهُ إلّا النجفْ
إذ هيَ مرقى كلِّ علمٍ وشرفْ
فشدَّ رحلَهُ إلى أرضِ الغري
إلى أميرِ المؤمنينَ حيدرِ
فإنهُ البابُ إلى العلومِ
مَن جاءَهُ جاءَ إلى النعيمِ
هناكَ عندَ مرقدِ الأميرِ
رقى العُلا بعزمهِ الكبيرِ
واغترفَ العلمَ من المَعينِ
بكأسِ قطبِ الحوزة “النائيني”
وَمِن دِلاءِ شيخهِ “العراقي”
قدِ استقى من نبعهِ الدّفّاقِ
وعندَ بحرِ الآيةِ “الكُمباني”
ألقى مراسي العلمِ والإيمانِ
فاستخرجَ الكنوزَ من أعماقهِ
ولملمَ النجومَ من آفاقهِ
حتى سما وصارَ وجهَ النجفِ
وكانَ للماضينَ خيرَ الخلَفِ
قد ثُنيتْ لعلمهِ الوسادةْ
وحوزةُ العلمِ لهُ منقادةْ
تدلّي الأغصانِ
ستونَ عاماً في ذرى منبرهِ
قدِ ارتوى الآلافُ من كوثرهِ
فكلُّ مَن تَرَى مِن الجهابذةْ
يُعدُّ في طليعةِ التلامذة
طلّابُهُ ما بينَ فاضلٍ مُجِدْ
وبينَ مرجعٍ وبينَ مجتهِدْ
لو رامَ مُحْصٍ لهمُ إحصاءَ
لم يجنِ إلّا العجزَ والإعياءَ
لكنّني أذكرُ منهم بَعْضَا
لعلَّ مَن يقرأُ رَجْزي يرضى
(1)
أوّلُ شمسٍ في ذُرى الأكوانِ
مِن أُفْقهِ شَعَّتْ هيَ “الروحاني”
الفارسُ السبّاقُ في الأصولِ
ومَن بهِ حارَ أُولو العقولِ
قد جاءَ بالبِكْرِ من الأفكارِ
بدقّةٍ تخطفُ بالأبصارِ
لهُ الأصولُ ينحني بقامتِهْ
والفقهُ يستمدُّ من فقاهتِهْ
ولا تسلني عن جميلِ خُلْقِهِ
فإنَّ أرقى الوصفِ دونَ حقِّهِ
كانَ عظيماً بتمامِ المعنى
يفيضُ علماً وتُقىً ويُمْنا
وحينَ غابَ السيِّدُ الخوئيُّ
للناسِ لاحَ بدرُهُ السنيُّ
فحاربَ الليلُ البهيمُ نجمَهْ
لكنْ أرادَ اللهُ أن يُتمَّهْ
وصارَ مرجعاً برغمِ مَن أبى
وذا كراماتٍ تُثيرُ العجَبَا
(2)
كذا أخوهُ “الصادقُ” المجاهدُ
في الفقهِ والأصولِ فكرٌ رائِدُ
شدَّ عُرى الفقهِ بـ “فقهِ الصادقِ”
وفيهِ قد أفاضَ بالدقائقِ
فبينَ كفَّيهِ العلومُ تنبعُ
وفكرهُ كالشمسِ دوماً يسطعُ
ودرسُهُ بينَ الدروسِ العالية
نهرٌ من العلمِ وعينٌ صافيةْ
وكانَ في جهادهِ مُهنَّدا
يصبُّ جامَ نارهِ فوقَ العدا
فهوَ بميدانِ العلومِ عالمُ
وفي ميادينِ الجهادِ صارمُ
قد جمعَ الإباءَ والشجاعةْ
والحلمَ والهدوءَ والوداعةْ
إنْ رمتَ فقهاً فهوَ عندَ مِنبَرِهْ
أو خُلُقاً فاشْرَب معينَ كوثَرِهْ
لهُ من الأخلاقِ والإيمانِ
منزلةٌ شامخةُ المعاني
وإنْ ألمَّت بالهدى مُلمّةْ
أعدَّ نفسَهُ وشدَّ عَزْمَهْ
لذاكَ لم يكن فحسبُ مرجعا
بل كان للدينِ الحنيفِ مفزعا
وفي سبيل الله قد تحمَّلا
من الصِعابِ ما يهدُّ الجبلا
لكنَّهُ كانَ شديدَ الصبرِ
ينبيكَ عن هذا ابتسامُ الثغرِ
(3)
ومنهمُ: “الصدرُ” شهيدُ عصْرِهِ
مَن غالهُ البعثُ بسيفِ غدرِهِ
فهوَ الذي ثارَ على الطغيانِ
مجرَّداً إلّا عنِ الإيمانِ
واستوحشَ البعثُ وأخفى قبْرَهُ
وظنَّ أنهُ سيخفي فِكْرَهُ
وقد تناسى البعثُ أو تغافلا
أنَّ الرياحَ لا تهزُّ الجبلا
وسوفَ يبقى “الصدرُ” فكراً نيِّراً
وفي فمِ التاريخِ صوتاً هادراً
تغترفُ الحوزةُ مِنهُ علما
بل فكرُهُ يُثري العقولَ فهما
قد جادلَ المذاهبَ الفكريةْ
بقدرةٍ فائقةٍ علميّةْ
حتى أبانَ باقتدارٍ هزْلَهَا
وحوزةَ العلمِ أَشادَ فضلَهَا
فكانَ للحوزةِ نعمَ الثمرةْ
بل هو للإسلام حقّاً مفخرةْ
(4)
ومِن شموسِ العلمِ والإيمانِ
شمسُ سماءِ الشيعةِ “السيستاني”
مدرسةٌ في الفقهِ والأصولِ
وآيةٌ في الجرحِ والتعديلِ
أجازهُ “الخوئيُ” في فقاهتِهْ
وقد أبانَ عن عظيمِ رُتْبَتِهْ
وزهدُهُ يعجزُ عنه الوصفُ
ودونَ معناهُ يموتُ الحرفُ
لهُ من الهيبةِ والبهاءِ
ما سحرهُ يبهر عينَ الرائي
في قلبهِ معارفُ الشريعةْ
وفي يمينهِ زمامُ الشيعةْ
لهُ انتهتُ زعامةُ التشيّعِ
إذْ صارَ للشيعةِ أعلى مرجعِ
بحكمةٍ فاقتْ جميعَ الحُكَمَا
كأنّما حكمتُهُ مِن السما
صانَ بها العراقَ والتشيّعا
فاحتارَ فيهِ الشرقُ والغربُ معا
(5)
والشعرُ لو جاءَ بكلِّ نعتِ
لم يرتقِ إلى عُلا “البهشتي”
أليسَ من “بهشت” دارِ المستقرْ
ووصفها ما مرَّ في قلبِ بشرْ!
فكيف يرقى لسماهُ الوصفُ
أو يعتلي إلى علاهُ الحرفُ؟
فهو “بهشتيْ” الاسمِ والمُسمَّى
لجنّةِ الفردوسِ طبعاً يُنمى
طِباعُهُ في خُلْقهِ والزُهدِ
والعلمِ والتقوى كأهلِ الخُلدِ
بحرٌ من العلومِ لو تدفّقتْ
أمواجُهُ جميعُها لأغرقتْ
في مجلسِ الفتيا لدى المراجعِ
معتمَدُ الكُلِّ بلا منازعِ
قد زحفتْ لِبابهِ الزعامةْ
لكنّها ما حرّكت إبهامَهْ
أعرضَ عنها وأدارَ ظَهْرَهُ
لها فأعلتْ في الوجودِ قَدْرَهُ
(6)
ولا تسلْ عن مَلِكِ البيانِ
“الغرويِّ” شامخِ المعاني
مَن نقَّحَ العروةَ في تنقيحهِ
وأُلهِمَ البيانَ في شروحهِ
بيانُهُ كانَ بياناً ساحراً
وكانَ في الفقهِ خبيراً ماهراً
ودرْسُهُ مِن أشهرِ الدروسِ
يحيي بهِ المَيْتَ من النفوسِ
قضى شهيداً برصاصِ الغدرِ
وكانَ مرجعاً جليلَ القدرِ
فامتزجُ المدادُ بالدماءِ
في خدمةِ الشريعةِ الغرَّاءِ
(7)
ومنهمُ: شيخُ الوِلا “الجوادُ”
أزمَّةُ الفقهِ له تنقادُ
في ذوقهِ الفقهيِّ تلقى العجبا
فهوَ جوادُ الفقهِ ما يوماً كبا
كانت لهُ زعامةُ التدريسِ
مع “الوحيدِ” المرجعِ القِدِّيسِ
جاهدَ دونَ رايةِ العقيدةْ
فكم لهُ من صولةٍ مشهودةْ
مُذْ قال: مَن ينصرني؟ دينُ الهدى
قال: أنا ومَا معي لكَ الفِدَا
صالَ ولم يرهَبْ كأنَّهُ الأسدْ
وشادَ رايةَ الوِلا والمعتقدْ
واجتَثَّ رايةَ الضلالِ والفتنْ
وفي سبيلِ ذاك قد قاسى المِحنْ
لولاهُ قد سادَ الضلالُ وانتشرْ
لكنَّهُ صالَ عليهِ فاندحرْ
فهوَ بحقٍّ ناصرُ الزهراءِ
كفى فهذا منتهى الثناءِ
(8)
ومنهمُ: الشيخُ “الوحيدُ” الأوحدُ
مدرِّسُ الحوزةِ وهو العَمَدُ
فهو أصوليٌّ فقيهٌ بارعُ
طَوْعاً لهُ علمُ الأصولِ خاضعُ
وحينما يُفسِّرُ القرآنا
كأنّما قد أُوتيَ البيانا
إنْ أوضحَ الصَعْبَ من المعاني
كأنما يَنقِشُ في الأذهانِ
لهُ من الوَلاءِ والعِرفانِ
ما جازَ حدَّ الوصفِ والبيانِ
إِنْ مرَّةً حدَّثَ عن خيرِ الورى
أدهشَ مَن أصغى له وحيّرا
نهرٌ منَ الولاءِ قد تدفّقا
والكلُّ من زُلالِهِ قدِ استقى
وكم لهُ في نصرةِ العقيدةْ
مواقفٌ بين الورى مشهودةْ
وإنْ دهى ما يُوهِنُ الشعائرا
كانَ لها قبلَ الجميعِ ناصرا
(9)
والسيِّدُ “اليوسفُ” نجلُ المحسنِ
قلَّ لهُ النظيرُ في ذا الزمنِ
يوسفَ كانَ لم يَكُنْ يعقوبا
لكنَّ هذا قد غَدَا مقلوبا
قاسى كآلِ المصطفى من الشِدَدْ
ما لم يُقاسهِ من الناسِ أحدْ
فجسَّمَ الصبرَ على أقسى المِحَنْ
وجسَّدَ التسليمَ سرّاً وعلَنْ
كانَ لأربابِ المعالي مُحتذى
وكانَ في العلمِ فقيهاً جهبذا
أعجوبةُ الزهدِ وينبوعُ التُّقى
لذاكَ في أُفقِ الهدى تألّقا
وإنْ يكنَ نحوَ المعالي قد صعَدْ
فإنَّ هذا الشبلَ مِن ذاكَ الأسدْ
والدُهُ قدِ ارتقى أعلى القِمَمْ
وَمَن يُشابِهْ أَبَهُ فما ظَلَمْ
للهِ دَرُّ والدٍ وما وَلَدْ
قد كُتِبا في الخالِدِينَ للأبدْ
(10)
والسيِّدُ “القمّيُّ” من طُلّابِهِ
ومَن تجافى العلمُ عندَ بابِهِ
فهو أصوليٌّ فقيهٌ مُبدِعُ
كالشمسِ في أفقِ العلومِ تسطعُ
لهُ “المباني” صيتُهُ قد انتشرْ
وفكرُهُ بكثرةِ النقضِ اشتهرْ
وهو “تقيُّ” الاسمِ والمسمّى
وزهدُهُ أعجزَ منّي النظما
وكانَ عاشقاً بمعنى الكلمةْ
لسيِّدِ الطّفِّ قتيلِ الظَلَمَةْ
ولا يرَى لنفسهِ مقاما
إلّا إذا مأتمَهُ أقاما
وفي العزاءِ كانَ لا يَرَى سوى
نحرَ الحسينِ والخيامَ واللِّوا
فكانَ يبكي كبكاءِ الثكلى
حزناً على دماءِ ذاكَ المولى
وينزعُ القميصَ للّطمِ على
مَن لُطِمَتْ أطفَالُهُ في كربلا
وينثِرُ الطينَ عليهِ حُزْنَا
فزادَهُ السِّبْطُ الحُسينُ شأنا
(11)
وانحدرَ الخوئيُّ غيثاً ساجِما
فكانَ بعضُ الغيثِ منهُ “كاظما”
مَن فَخُرتْ بشخصِهِ تبريزُ
إذ في الوجودِ مِثلُهُ عزيزُ
قد جمعَ المعقولَ والمنقولا
وحِفظُهُ قد أدهشَ العقولا
في عقلهِ تخلدُ كلُّ واردةْ
وفكرُهُ يأتي بكلِّ شاردةْ
وَمِثلَمَا مَدَارِجَ العلمِ ارتقى
قدْ كانَ في تقواهُ آيةَ التقى
وكانَ وَجْهُهُ يَشعُّ نُورا
ملائكيّاً يشرحُ الصُدُورا
(12)
وكانَ ممّن حازَ أعلى الرتبِ
السيِّدُ الفَذُّ الفقيهُ “الكوكبي”
لقد بدا ككوكبٍ بَرَّاقِ
في العلمِ والإيمانِ والأخلاقِ
أستاذُهُ الخُوئيُّ فيهِ أَمَّلا
بأنْ يكونَ مرجعاً بينَ الملا
فصارَ مرجعاً كما تنبّى
كأنهُ قدِ استشفَّ الغَيْبا
وكان أستاذاً قديراً بارعا
يفيضُ علماً وبياناً ساطعا
وفي البهاءِ كانَ كالنُسَّاكِ
طلعتُهُ كطلعةِ الأملاكِ
(13)
وكانَ مِمّن مِن نميرهِ استقى
“بهجةُ” مَن أغرقَهُمْ بحرُ التُّقى
ومَن لهُ في عالمِ العرفانِ
روحٌ تسامتْ عن بني الإنسانِ
مجلى العبوديةِ لحماً ودما
تقولُ: هذا مَلَكٌ مِنَ السما
فَهُوَ إذا ما عُدَّ أهلُ المعنى
مِن بينِهِم كانَ جليلاً شأنا
قدِ ارتقى في السَّيرِ والسُّلوكِ
تقرُّباً لمالكِ المُلُوكِ
حتّى مِنَ الحقِّ أتى للخلقِ
يهدي إلى اللهِ بكلِّ صِدْقِ
أحيا بِطُهْرِ نفسهِ النُّفوسا
إذْ كانَ في خالقهِ ممسوسا
أحياهمُ بهديهِ المنصوصِ
لا بالفُتوحَاتِ ولا الفُصُوصِ
فالَهدْيُ إنْ لم يغْتَرِفْهُ العارفُ
مِن عترةِ الهاديْ سَرَابٌ زَائِفُ
فإنَّهمْ لِخالقِ البريّةْ
طريقُهُ الأبْلَجُ لا الصُوفِيَّةْ
(14)
ولو أردتُ الوصفَ فهوَ لا يفي
حتّى وإن طالَ بحقِّ “الفلسفي”
فَهُوَ الّذي قَدْ شَهِدَ الخُوئِيُّ لَهْ
بالاجتهادِ بلْ عُلُوِّ المنزلةْ
للعلمِ قد جاورَ نبعَ “المرتضى”
حتّى ارتوى ونجمُهُ قد أومضَا
وصارَ في الحوزةِ مِن أعيانِها
واسمُهُ قد ذاعَ في لِسانِها
فَحِينَها وَافَتْهُ دَعْوَةُ “الرِّضَا”
فراحَ طوساً وهناكَ قد أَضَا
وصارَ قُطْباً للرّحى في مشهدِ
وغيرُهُ ليسَ لها مِن عَمَدِ
ألقتْ لهُ الحوزةُ بالأزِمَّةْ
فصبَّ بحرُهُ بِفِيها عِلْمَهْ
والتفَّ حولَهُ مِن الطُلَّابِ
مَا جاوزَ العدَّ من الحسابِ
وكانَ للتُّقى بها منارا
والزُهدُ قد صارَ لهُ شعارا
(15)
والشيخُ “فيَّاضُ” العلومِ والتُّقى
قدِ ارتقى في العلمِ خيرَ مرتقى
قد لازمَ الخوئيَّ مثلَ ظلِّهِ
ليستقيْ مِن علمهِ وفضلهِ
فاختارَهُ في مجلسِ الإفتاءِ
حتّى سما فخراً على الجوزاءِ
أورثَهُ مِن علمهِ الكثيرا
حتّى يكونَ مرجعاً كبيرا
ويحمل الرايةَ إنْ مضى السلَفْ
وعلمهُمْ يوصِلُهُ إلى الخلَفْ
فكانَ بعدَهُ بمستوى الأملْ
وسادَ في الحوزةِ علماً وعملْ
بل صارَ من أركانِ حوزةِ العُلا
مدرِّساً ومرجعاً مُجلَّلا
وأكتفي بذكرِ مَن ذَكرتُهُمْ
وقِس عَليهم بالمئاتِ غيرَهَمْ
فإنَّ ذكرَ كلِّ مَن تتلمذا
لو رمتُهُ لكانَ شعريْ نفدا
تؤتي أُكُلَها كلَّ حينٍ
السيِّدُ الخوئيُّ في العلومِ
“كالقمرِ البازغِ في النجومِ”
ففي “الأصولِ” فارسٌ مِغْوَارُ
وفي “الرجالِ” كوكبٌ سَيَّارُ
وفاقَ في “الفقهِ” على أقرانهِ
وجدَّدَ “التفسيرَ” في “بيانهِ”
ونجمُهُ قد شعَّ في الأصولِ
بقوّةِ التحقيقِ والتحليلِ
وهذهِ آثارُهُ البديعةْ
قلادةٌ زيّنَتِ الشريعة
تشهدُ بالصدقِ على ما قد سلفْ
لذاكَ فالكلُّ بعلمِهِ هَتَفْ
ففي الرجال “معجمُ الرجالِ”
كُلِّلَ بالإكبارِ والإجلالِ
فاقَ بهِ على الأُولى قد سبقوا
وفكرُهُ للاحقينَ يشرقُ
وَمِنهُ قدْ فاحَ شذا القرآنِ
بـ”نفحةِ الإعجازِ” و”البيانِ”
وما بدا من علمهِ الغزيرِ
قد حفَّزَ الطُلَّابَ للتقريرِ
فدوّنوا “المصباحَ” و”الجواهرا”
وامتلكتْ آراؤهُ المنابرا
وكانَ مِن أفضلِ ما قُرِّرَ لهْ
هو “الدراساتُ” عظيمُ المنزلةْ
ومثلُهُ “المحاضراتُ” الراقيةْ
تقولُ هاؤمُ اقرؤا كتابيَهْ
وكَمْ لهُ في فقهِ آلِ أحمدِ
كـ “الفقه” و”التنقيحِ” و”المستندِ”
وكـ”الدروسِ” و”غوالي الدررِ”
تكشفُ عن عمقٍ وفكرٍ نيّرِ
وَراحَ يبني بيدِ الإِتقانِ
“تَكمِلةَ المنهاجِ” و”المباني”
وشعَّ في المكاسبِ “المصباحُ”
فانشرحَتْ بنورهِ الأرواحُ
وَشِبْلُهُ خيرَ “المباني” شَيَّدا
فَصارَ فِقهُ حجِّهِ “مُعتمدا”
لذا “زعيمُ الحوزةِ العلميةْ”
كانَ لهُ عن غيرهِ مزيّةْ
فهذهِ أفكارُهُ العميقةْ
تشدو بها المجامعُ العريقةْ
لكنَّنا اليومَ أعرنا اللقبا
لكلِّ شخصٍ مرجعٍ واعجبا
إرثُ الأنبياءِ
لما مضى أعلامُ حوزةِ النجفْ
كانَ لهمْ سيِّدُنا خيرَ خلفْ
جاءتهُ تسعى نحوه الإمامةْ
وسلّمتْ لكفِّهِ الزعامةْ
فقادها حتى سمَتْ إلى العلا
وصارَ للكلِّ أباً وموئلا
كانَ إلى الشيعةِ أعلى مرجعِ
لهُ يدينُ عالمُ التشيُّعِ
الجلالُ والجمالُ
هذا هُوَ “الخوئيُ” في العِلمِ فهلْ
تدري مَنِ الخوئيُّ في ساحِ العملْ؟
قد هذَّبَ النفسَ مِن الرذائلِ
وزَانَها بأروعِ الفضائلِ
مِن سُلَّمِ الجلالِ للجمالِ
قدِ ارتقى سعياً إلى الكمالِ
فعانقَ النجومَ في شموخِهِ
بل الثريّا هيَ مِن قُطوفِهِ
بِريشةِ “التوكُّلِ” الجميلةْ
تلوَّنتْ حياتُهُ الجليلةْ
وحقّقَ الغايةَ مِن وجودِهِ
مُذ ذابَ ذَوْبَ العبدِ في معبودِهِ
وتاجُهُ الّذي على الدنيا سَطَعْ
ألماسُهُ التّقوى ودُرُّهُ الوَرَعْ
توسَّدَ “الحسينُ” في جفونهِ
فأمطرَ الدموعَ مِن عيونهِ
وقلبُهُ الجريحُ منذُ المهدِ
ينبضُ بالآهِ للطمِ الخدِ
وكانَ في الشِعرِ خبيراً ماهرا
حتى وإن قدْ قال: “لستُ شاعرا”
وكانَ في الناسِ ولكنْ فوقَهُمْ
يرونَهُ العاليَ ما دنا لهمْ
وإنْ تسلنيْ عنهُ في إبائهِ
أقولُ كالسِبْطِ بِكربلائهِ
فهوَ الأبيُّ الصامدُ المجاهِدُ
تُغنيكَ عمَّا قُلتُهُ المشاهِدُ
تَجَرَّعَ الغيظَ مِنَ الأشرارِ
مِن أجلِ حفظِ الشيعةِ الأبرارِ
فكم لهُ من موقفٍ ومشهدِ
شُوهدَ فيه باسلاً كالأسدِ
كمْ قَدْ تحدّى الظلمَ والطغيانا
فاسألْ عروشَ الشاهِ أو شعبانا
واسأل طغاةَ البعث واسأل جُنْدَهُمْ
مَن صانَ حوزةَ الهدى وصدَّهُمْ
مَن بذلَ العمرَ ليحفظَ النجفْ
وصانَ ما أورثَهُ لهُ السلَفْ
ليسَ سواهُ صابراً محتسباً
قاسى طوالَ عمرهِ مصائباً
قد حفظَ الدينَ كجدّهِ “الحسنْ”
بصبرهِ على الخطوبِ والمحنْ
واسألْ بلادَ الغربِ عنهُ ما صنعْ
كم رايةٍ للحقِّ فيها قد رَفَعْ
أنشأَ دُورَ العلمِ والعبادةْ
وشدَّ للدينِ بها أوتادَهْ
فصارَ صوتُ الحقِ فيها يعتلي
للهِ لا مولى سوى المولى “علي”
فالسيِّدُ الخوئيُّ فِكْرٌ ودَمُ
يعجزُ عن وصفِ عُلاهُ القلمُ
غروبُ الشمسِ
وقد أُصيبتْ مرجعيةُ الهدى
بموتِ من كانَ زعيماً أوحدا
في ثامنٍ من صفرٍ طاحَ العمَدْ
ولم يشيِّعهُ من الناسِ أحدْ
فشُتِّتَ الشملُ وضاعَ الأملُ
وبعدَهُ قد أظلمَ المستقبلُ
ومنصبُ الزعامةِ الشيعيةْ
قد أُهْدِرَتْ دماؤُهُ الزكيّةْ
فأعولَتْ على رحيلهِ النجفْ
وكيفَ لا وبدرُها قدِ انخسفْ
ولوّنَ الحزنُ وجوهَ العالمِ
فالناسُ بينَ صارخٍ ولاطمِ
قد كانَ يومُ موتهِ مشهودا
لم ترَ عينايَ لهُ نديدا
فيا نجومَ العلمِ شيِّعي القَمَرْ
إلى الجنانِ فهيَ خيرُ مُستقرْ
والبسْ لباسَ الحُزْنِ يا شهرَ صفرْ
ففيكَ كم نجمٍ تهاوى وقمرْ
فالسيِّدُ الخوئيُّ فيكَ قوَّضَا
والمرعشيُّ قبلَهُ فيكَ مضى
والسبزواريُّ فقيهُ عصرِهِ
فيكَ مضى فخذ لنا بثأرِهِ
مسكُ الختامِ
وخيرُ ما يُختَمُ فيهِ الكَلِمُ
تشدو بهِ روحي وشعري والفمُ
هو الصلاةُ والسلامُ دوماً
على الميامينِ تقىً وعلماً
مَن نورُهمْ نورُ الإلهِ الخالقِ
ومَن لهُمْ أزمّةُ الخلائقِ
محمَّدٌ وآلُهُ الكرامُ
مَنْ بِهِمُ المبدأُ والختامُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *