جمعني وإياهُ المهجرُ العلمي (قمُّ المقدّسة)، ومجالسُ العلماء والفضلاء فيها، ولم يكن مظهرُهُ يوحي بما هو عليه، ولكنّه حين اقتربَ مني واقتربتُ منه، وجدتُ فيهِ مثالَ طالبِ العلم النَهِم المثابر، والمؤمن الخلوق المهذّب المتواضع، ومن أجمل ما رأيته منه – إلى جانب جمال تدينه وأخلاقهِ الكبيرة – خصلتان:
١- الأولى: اهتمامه الفائق بالكتب العلمية، سيما الرسائل الفقهية، والبحث والتنقيب عنها – وإنْ كانت لا تزال مخطوطة – من غير كلل ولا ملل، وليس ذلك لمحض جمعها، بل لشغفهِ الشديد بمطالعتها والاستفادة منها، تعينه على ذلك عقليته الصافية وذهنه المتوقد.
٢- الثانية: اهتمامه بالإثارات العلمية وطرح الفروع الفقهية، وقد استغلّ فرصةَ تواجدهِ في حاضرة العلم، فكان يقصد مجالس كبار العلماء والمراجع، ويبدأ بطرح ما يختلج في ذهنه من الإثارات، ممّا ساهم في بناء عارضته الفقهية، والتفاته إلى نكات الفروع، ودقائق الصناعة.
وهو مع كلّ ما كان عليه قد آثرَ أن يعيش حياته في الظلّ، بعيدًا عن الأضواء والضوضاء، غيرَ عابئٍ بالبهارج والزبارج، فكان بين الناس كأحدهم، على تمام العفوية والبساطة، ولم يكن يعرف شأنه إلا مَن اقتربَ منهم واقتربوا منه.
وقد بلغني اليوم خبرُ رحيلهِ الصادم، فأسفتُ جدًا لرحيله المبكّر، إذ الحوزة اليوم أحوج ما تكون إلى وجود أمثاله من العلماء المتفانين في العلم، والمتحلين بمكارم الأخلاق، فرحمه الله تعالى رحمة الأبرار، وحشره مع النبي المصطفى وعترته الأطهار، وعزاؤنا لأسرته الكريمة وكافة أصدقائه وتلامذته ومحبيه، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
ضياء السيد عدنان الخباز
الأربعاء 1442/10/13هـ