أهل البيت (ع) وجدلية الغلو والتقصير

  • الكتاب يتناول بالتفصيل ظاهرتَي (الغلو) و(التقصير) في أهل البيت (عليهم السلام)، مع بيان لأحكامهما وعواملهما، ومناقشة للعديد من مظاهرهما المعاصرة.
  • المادة الأولية للكتاب كانت محاضرات منبرية، مع إضافات كتبية كثيرة مهمّة.
  • صدر عن دار المحجّة البيضاء، وذلك في شهر ذي الحجّة من عام 1445هـ، في 205 صفحات.
  • تصفّح المقدّمة والفهرس

مقدمة الكتاب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على أشرف بريتهِ وخير خلقهِ محمدٍ وآلهِ الطيّبين الطاهرين، واللعنةُ الدائمة على أعدائهم أجمعين.

(1)

إنَّ الغلوَّ في الأئمة الطاهرين (عليه السلام) من الظواهر المؤسفة التي مُنيَ بها المعصومون (عليهم السلام) منذ أيّام وجودهم، وقد كانت للغلاة عدّة مقالات باطلة يجاهرون بها، ورغم أنّها لم تكن تمتُّ للأئمة (عليهم السلام) بأدنى صلة، بل كانت على خلاف مبادئهم السامية ومنهجهم اللاحب، إلا أنَّ الغلاة – ولدوافع متعددة – كانوا يحاولون إلصاقها وإلصاق أنفسهم بأهل البيت (عليهم السلام)، ويسعون جاهدين لاتخاذ محبة أهل البيت (عليهم السلام) شعاراً لهم، ليبرّروا من خلاله تصرفاتهم، وينشروا تحت مظلته أفكارهم.

وإنَّ بعض تلك المقالات – التي سنتعرّض لبيانها ضمن هذا الكتاب – قد بدأت تلوح في الأفق في زماننا هذا؛ إذ تبنّاها بعض الشواذّ من الشيعة، ممّن لا أثرة لهم في علم ولا سابقة لهم في عمل، وصاروا يحاولون ترويجها في العالم الشيعي.

وكما وقف أئمتنا (عليهم السلام) من غلاة ذلك الزمان مواقف صارمة، صيانة منهم للدين وعقائد المؤمنين، فقد وقفت المرجعية العليا (أدام الله بركة وجودها) نفس الموقف من غلاة هذا الزمان، وحذّرت المؤمنين من الانتماء إليهم والانصياع لزيف دعاواهم وأراجيفهم، حفظاً لقلعة التشيّع الحصينة ومعالمها الشامخة.

وبموقفها الحازم هذا قد استطاعت أن تحسم الخلاف والجدل – الدائر في الساحة الشيعيّة – حول أهميّة التصدّي للغلاة، فإنَّها القائمة مقام المعصوم (عليه السلام) في زمن غيبته، ولها القول الفصل في القضايا المصيريّة التي تخصُّ عالم التشيّع، فإذا قالت كلمتها ذهب كلُّ قولٍ قبالها أدراج الرياح.

(2)

ولا تتوهّم أنَّ موقف المرجعية العليا ينطلق من فراغ، أو من استقراء ناقص لأوضاع الساحة ومستجداتها، كلا، بل إنّه ينطلق من متابعةٍ جادّة، وبصيرة ثاقبة، وحكمة صائبة، واستقراء تام، ومعرفة دقيقة بجميع ما يُحاك للتشيّع من خطط خبيثة وأحابيل خادعة.

وإنّنا حين حاولنا أن نقف على بعض ما وقفت عليه المرجعيّة المباركة عرفنا أنَّ وراء الأكمة ما وراءها، وأنَّ هناك فكراً شاذّاً وخطيراً يحاول التمدُّد والانتشار، تتبناه جماعاتٌ مشبوهةٌ ومريبة، وهدفه إعادة إحياء مقالات الغلاة الفاسدة نشطة وفاعلة، وبعث تيّار الغلو – بما يحمله من الأفكار الملوّثة – في الساحة الشيعية من جديد، وهو ما أدركت المرجعية خطره الجسيم فسعت لوأده في مهده، قبل أن يكبر ويستفحل فتكون مهمّة القضاء عليه مهمّة شاقة وصعبة.

وحتى لو تمّت هذه المهمّة حينها فإنّها لا تتم إلا بعد خسائر فادحة، ولن يتحمّل تبعتها إلا مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، الذي تكالبت الدنيا على محوه وطمسه، ولكنّه كالعود العاطر لا يزداد بكثرة الإحراق إلا انتشاراً وطيباً.

(3)

وإلى جانب هذا التيّار الشاذ فإنَّ هنالك تيّاراً آخر لا يقلُّ عنه خطورة، وهو أوسع منه دائرة وأشدُّ ضراوة وأكثر عدداً وأكبر جنداً، ألا وهو تيّار التقصير، ولا زال هذا التيّار ينمو ويتمدّد في مختلف مناطق العالم الشيعي، ولم يترك المنتمون لهذا التيّار والمروّجون له – تحت شعارات مختلفة – فضيلة من فضائل أهل البيت (عليهم السلام) إلا وشكّكوا فيها، ولا منقبةً من مناقبهم إلا ووجّهوا سهامهم إليها.

وكلّما حدّثتهم بشأنٍ من شؤون أهل البيت (عليهم السلام)، أو مقام من مقاماتهم، أو كمال من كمالاتهم، كبُرَ عليهم ذلك وثقُل على نفوسهم، ولا تكاد تهدأ نفوسهم المريضة وعقولهم القاصرة إلا إذا استصغروا أهل البيت (عليهم السلام) وحجّموهم، واعتبروهم كسائر البشر، لا ميزة تميّزهم، ولا خصوصيّة تخّصهم، وإن حاولوا الارتقاء بمعتقدهم فيهم لم يعتبروهم أكثر من (علماء أبرار).

(4)

وكنتُ – منذ سنوات عديدة – كلّما نشط أحد هذين التيّارين – وحاولَ تسليل شيء من أفكارهِ المنحرفة إلى العالم الشيعي – أجعله نصب اهتمامي، وأحاول أن أظهر زيفه وأردُّ أباطيله بمقدار وسعي، مما جعلني أتعرّض للمقصّرة والتقصير تارة بل تارات، وتاراتٍ أخرى للغلوّ والغلاة، وقد ارتأى بعض الأعزّة “حفظه الله تعالى، وأدام توفيقه” أن يجمع تلك المحاضرات المتناثرة، وينظمها في سلكٍ واحد، فكان عبارةً عن هذا الكتاب الماثل بين يديك.

ولقد بذلتُ جهدي في متابعة عمله، فصحّحتُ وحذفتُ وأضفتُ وأوضحتُ بالمقدار الذي رأيتُه مهمّاً ولازماً، فإن كنتُ قد وُفّقتُ في عملي فذاك غاية أملي، وإن لم أوفّق فحسبي أنني قد بذلت قصارى جهدي، ولا غاية لي من وراء ذلك إلا نيل رضا الله تعالى وأوليائه (عليهم السلام).

وكلُّ ما أرجوه من المولى الكريم (تبارك وتعالى) هو أن يتقبّل هذا الجهد منّي وممن آزرني فيه – تقريراً وتنضيداً وإخراجاً – بأحسن القبول، ويجعلني وإيّاهم من أهل النمرقة الوسطى التي يرجع إليها الغالي ويلحق بها التالي، ويثبّت أقدامنا جميعاً على نهجهِ القويم وصراطهِ المستقيم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على خاتم أنبيائه وآله الطاهرين (عليهم السلام).

ضياء بن المرحوم السيّد عدنان الخبّاز
القطيف – حي المدارس
يوم السبت – غرّة شهر رجب الأصب
ميلاد الإمام الباقر (عليه السلام) – 1445 هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *