بسم الله الرحمن الرحيم
استجابة لطلب بعض الأعزة الذين طلبوا مني تسجيل ما اطلعت عليه من خصائص شيخنا الأستاذ الراحل، سماحة العلامة الحجة، الشيخ عباس آل سباع (عطر الله مثواه)، ووفاءً لبعض حقوقه، وتعريفًا بشخصيته الفذة التي جهلها الكثيرون، سأرسم بعض الصور الجميلة التي اتسمت بها شخصيته الكريمة.
الصورة الأولى: المثابرة في التحصيل.
وقد لمست ذلك منه حين حضوري لديه عند تشرفي بالهجرة إلى قم المقدسة، حيث كنت أحضر لديه درسين، أحدهما أول الصباح قبل ذهابه إلى البحث الأصولي لأستاذ الحوزة الأكبر الشيخ الوحيد الخراساني (دامت بركات وجوده الشريف)، والآخر أول العصر قبل ذهابه إلى درس الشيخ الوحيد على المكاسب، فكان له -على أقل تقدير- تدريسان ودرسان ومباحثتان، وفي ذهني أنه أيضًا في فترة من الزمان كان يشترك في دروس الشيخ جوادي آملي على كتاب الأسفار، وهو الكتاب الذي يمثل مرحلة متقدمة في العلوم الفلسفية.
وقد طلبت منه حينها درسًا تعطيليًا في يومي الخميس والجمعة، فلبى الطلب مشكورًا، وقام بتدريسي حتى في اليومين المذكورين، رغم ما كان عليه من كثرة الاشتغال طوال أيام الأسبوع، فكان بذلك مثالًا يحتذى به لعلو الهمة والجدية والنشاط.
ولما عاد لوطنه القطيف في السنوات الأخيرة كان له حضور تدريسي في أكثر من حوزة من حوزات العلم، كما كان يلقي في نفس الوقت بعض الدروس الخاصة في منزله، جامعًا بين كل ذلك في برنامجه اليومي.
الصورة الثانية: حصافة الفهم.
وقد شهد له بذلك عملاق الفكر الأصولي، سلطان التحقيق والتدقيق، السيد محمد الروحاني (أعلى الله في الجنان درجته)، حين تشرف شيخنا الراحل بزيارته في قرية (خاوى) – إحدى قرى قم المقدسة – وتحدث معه حول بعض البحوث الأصولية التي اشتمل عليها كتاب (منتقى الأصول)، فأشاد السيد الروحاني بفهمه لمطالب كتابه، وكفى بشهادته شهادة.
الصورة الثالثة: الاهتمام بتربية الطالب.
وكانت لاهتمامه بتربية الطالب أساليب مختلفة ومتنوعة، وسوف أشير منها إلى أسلوبين:
الأسلوب الأول: مذاكرة العلم مع طلبته، والتي كان تتسبب في تمرينهم على تطبيق الكليات التي دروسها وتعلموها على بعض صغرياتها، وكان يصغي باهتمام لإجابات طلابه، فيخطّئ تارة ويصوّب أخرى، وما كان يتحرج من إبداء قناعته بإجابة يجيبها أحد طلبته، فيما لو كانت إجابته صائبة، مهما كان مستوى هذا الطالب.
الأسلوب الثاني: متابعة الأنشطة العلمية لطلبته، فكان ينزعج إذا اطلع على تعرقل مسيرة تحصيل أحدهم، ولا يتأخر عن مساعدته وتشجيعه، كما كان يوجه مَن يشعر بجديته واهتمامه للمباحثة مع من يراه كفؤًا من طلبته الآخرين، وإذا سمع بكتابةٍ لأحدهم كان يبدي رغبته في الاطلاع عليها، ويشجعه ويدفعه نحو المزيد، بل كان يتابع حتى نشاطهم التبليغي، دافعًا لهم نحو المزيد من العطاء والتقدم.
وعندي العديد من الشواهد على كل إشارة أشرت إليها في هذه الصورة، ولكن المجال يضيق عن عرضها.
الصورة الرابعة: التواضع للعلم.
وكانت هذه سمة رائعة في مسيرته، فهو في الوقت الذي كان يدرّس (البحث الخارج) -وهو أعلى مرحلة دراسية في الحوزة العلمية- في سنيه الأخيرة، كان لا يترفع عن تدريس مناهج السطح العالي، بل كان لا يستنكف حتى عن تدريس مناهج السطح الأول، ما دام يجد في وقته فسحة ومجالًا للعطاء، وقد ضرب بذلك مثالًا رائعًا للاشتغال الدائم بالعلم والتواضع له.
الصورة الخامسة: نقاء النفس.
لقد كانت نفسه المباركة نفسًا ترابية للغاية، فلم يكن قلبه يعرف الحقد والضغينة، ولم يتلوث بآفات الحسد والكبر والغرور العلمي، بل كان ملؤه النقاء والصفاء.
ويكفيني أن أستشهد لذلك بشاهدين:
الشاهد الأول: أنه حينما كان يحضر المناسبات الدينية التي يقيمها الطلبة في قم المقدسة، لم يكن يهتم بمحل جلوسه، فكان في كثير من الأحيان يجلس دون المجلس قريبًا من الباب بكل تواضع وأريحية، رغم ما كان عليه من الرفعة وسمو المقام والرتبة.
الشاهد الثاني: أنه حينما طلبت منه جامعة المصطفى العالمية في قم المقدسة أن يقدم رسالة علمية تتناسب مع المرحلة الدراسية التي انتهى إليها، قدم كتابه (الصحابة في الميزان)، وبعد أن اطلع المشرفون في الجامعة عليه قرروا منحه شهادة الدكتوراه في العلوم الإسلامية، فأعرضَ عنها ولم يهتم بها، وكلما قال له بعض أصدقائه الطلبة: اذهب لاستلام شهادتك، لم يكن يعبأ بذلك، معتبرًا أنها مجرد عنوان دنيوي لا يقدم ولا يؤخر.
ونظرًا لسمو روحه، فقد كان الطلبة -في المناسبات الدينية التي كانوا يجتمعون لإحيائها- إذا داهمهم وقت فريضة من الفرائض يقدمونه للإمامة، ويأتم الجميع بصلاته.
الصورة السادسة: الاهتمام بأيتام آل محمد (عليهم السلام).
فقد كان يحدثني بين الفينة والأخرى حول ضرورة الاهتمام بضعفاء الشيعة الذين لا كافل لهم في مختلف مناطق العالم، ويقول: إنَّ بلدنا لكثرة الطلبة فيها لا تحتاج إلينا بمقدار ما تحتاج إلينا البلدان الأخرى التي يعيش فيها ضعفاء الشيعة من غير مرشد يرشدهم.
وقد فوجئت -كما فوجئ غيري- قبل سنوات، حين تناهى إلى مسامعي نبأ مغادرته قم المقدسة إلى مدينة جدة، تطبيقًا لتلك الفكرة التي كان يعتقد بها.
وأظنني قلت له، أو قال له غيري: هلا اخترت بلادًا أخرى غير جدة، تستطيع فيها مضافًا لمهمتك التبليغية أن تواصل مسيرتك العلمية -التي أنفقت زهرة شبابك في سبيلها- إذ من المؤلم جدًا أن تعيش في بلد لا تجد فيه طالبًا تنهي إليه عصارة جهودك العلمية الطويلة، إلى جانب أدائك وظيفتك التبليغية في المجتمع!!
فأجاب: إنني أقطع بأنَّ كفالة ضعفاء الشيعة، وإخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم والمعرفة، هي الوظيفة التي ترضي إمام العصر والزمان (أرواح من سواه فداه)، ولست أقطع بذلك بالنسبة لبقائي في قم المقدسة.
وكما قال فعل، فترك مهجره العلمي وغادر نحو مهجره التبليغي، وبذل كل طاقته وجهده في سبيل أداء مهمته، حتى أنه لما احتاجت المنطقة التي هاجر إليها إلى خطيب في شهر محرم، ولم يتيسر توفير خطيب لها، قام نفسه بممارسة الخطابة، رغم عدم كونه خطيبًا.
وبعد مدة قضاها هناك، آب إلى وطنه الأم، ليكون منطلقًا له نحو فضاءات أوسع، في سبيل نشر كلمة التشيع، وكفالة أيتام آل محمد (عليهم السلام) في بلدان مختلفة، كان يشد إليها الرحال ويتواصل معها باستمرار.
واتفق بعد أوبته أن اكتمل تشييد مسجد المرحوم الوجيه الحاج سعيد المحروس، في منطقة الشاطئ، ولما كان المسجد ضخم البناء حساس الموقع، رجع مؤسسوه إلى العلامة الكبير، الحجة المدقق، سماحة الشيخ حسين العمران (دامت تأييداته وبركاته)، طالبين منه أن يرشح لهم شخصًا يليق بإمامة المسجد على ما هو عليه، فأشار عليهم بشيخنا الأستاذ الراحل (طيب الله ثراه)، لما يعرفه عنه من جامعيته للتدين والعلم معًا، وكان من المأمول أن يكون المسجد -في ظل وجوده- منارة من منارات العلم والتوجيه والتربية، غير أن رحيله المباغت قد بدد كل الآمال، فرحمه الله تعالى رحمة الأبرار، وحشره مع محمد وآله الأطهار، ووفقنا للسير على نهجه، والاقتداء بهديه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ضياء السيد عدنان الخباز
قم المقدسة
1433/12/13هـ
السلام عليكم ..
مقال جد مفيد يسلط الضوء على بعض خفايا شخصية علمية مبرزة .. وخفايا قدسية لسماحة المقدس المبرور الحاج الشيخ عباس آل سباع رحمه الله رحمة الأبرار وحشره مع ساداته ومواليه محمد وآله الأطهار عليهم السلام.
رحم الله الشيخ الفاضل الشيخ عباس ال سباع واسكن روحه الطاهرة مع محمد وال محمد وخلف على مجتمعنا بشخصية مثله .
سلمت يداك سيدنا الجليل احسنت واجدت وافدت
رحم الله شيخنا الجليل وأخويه رحمة الأبرار وأسكنهم فسيح جنته مع محمد وآل محمد في أعلى الدرجات ، وأطال الله في عمرك سيدنا وسدد خطاكم ولا حرمنا من الجلوس تحت منبركم .
رحمة الله عليه واسكنه فسيح جنانه وحشره مع من يودهم محمد واله الذين اصطفاهم الله على خلقه
كان جليلا تقيا غزيرا في العلم والحلم خلوق يستقي آدابه من كتاب الله .. لم نعرفه والكثير من منطقته يجهلون شخصيته وانا واحد منهم ..وذلك لغربته وبعده عن الوطن لتحصيل العلم ولما رجع للوطن غاب ضوء بركاته وافل نجمه سريعا . كانت الصلاة خلفه ذات طابع روحاني .. له مسائل شرعيه بين الفرائض تروي العطش الظمآن جعلها في ميزان حسناته
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وارحم شيخنا الفقيد رحمة الأبرار واحشره مع سعادته محمد وآل محمد واسكنه فسيح جناتك يارب العالميم
رحمه الله بواسع رحمته وحشره مع الأبرار عليهم الصلاة والسلام .
الفاتحة.
وشكرا سماحة السيد ضياء على هذه المعلومات القيمة وفقكم الله تعالى.
رحم الله الشيخ الجليل و حشره الله مع ساداته الكرام محمد و آل محمد صلوات الله عليهم اجمعين ، و حفظ الله السيد المبارك و ايده الله بحسن تأييده
احسنتم سماحة السيد الفاضل على هذا الموضوع القيم في حق العالم الفاضل الشيخ عباس رحمه الله برحمته إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم