س: ورد عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: (لا إيمان مع سوء الظن)، فما المقصود هنا من الإيمان؟ وكيف نجمع بين هذه الرواية والرواية التي تقول: (إذا ساء الزمن فإن حسن الظن من سوء الفطن)؟
الجواب
ج: ابتداءً لا بد أن يُعْلَم بأمرين :
الأول : إن المقصود من سوء الظن في الرواية المذكورة ليس هو مجرد خطور الاحتمالات السيئة في الذهن ؛ إذ هو أمر غير اختياري ، فلا تصح المؤاخذة عليه إطلاقاً ، بل المقصود منه ترتيب الأثر العملي على الاحتمال السيئ .
الثاني : إن الإيمان تارة يطلق ويراد به العدالة في قبال الفسق ، فيقال للعادل مؤمن ، ويقال للفاسق ليس بمؤمن . وتارة أخرى يطلق ويراد به التشيع في مقابل الإسلام ، فيقال للشيعي مؤمن ولغير الشيعي ليس بمؤمن . والإيمان بهذا المعنى الأخير تارة يكون كاملاً ، فيما لو كان صاحبه قائماً بسائر وظائفه الشرعية اللازمة وغير اللازمة ، وتارة يكون ناقصاً ، فيما لو كان صاحبه شيعي المعتقد مع إخلال بوظائفه الشرعية كلاً أو بعضاً .
وبعد بيان هذين الأمرين نجيب عن سؤاليك :
ج 1 : بعد أن اتضح أن سوء الظن بمعنى ترتيب الأثر على الاحتمال السيئ ، يقال : إن بنينا على أن ترتيب الأثر محرم في نفسه كان معنى الإيمان المنفي هو الإيمان بمعنى العدالة ، والتي تنتفي بارتكاب أي محرم .
وإن كان ترتيب الأثر ليس محرماً في نفسه ، كما هو الحق ، كان الإيمان المنفي هو الإيمان الكامل ؛ فإنه هو الذي يختل بعدم تطبيق الوظائف الشرعية وإن كانت على مستوى الاستحباب والكراهة ، فتدبر جيداً .
ج 2 : الجمع بين الروايتين بالإطلاق والتقييد ؛ فإن الأولى : ( لا إيمان مع سوء الظن ) شاملة بإطلاقها للزمن السيئ لسوء أهله ولغيره ، غير أن الرواية الثانية : ( إذا ساء الزمن .. ) تقيد هذا الإطلاق ، وتقول : عند سوء الزمن لسوء أهله لا يكون سوء الظن سيئاً ومنهياً عنه ، وبهذا يصح الجمع بين الروايتين من غير محذور ، فتدبر جيداً .