بسم الله الرحمن الرحيم
{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
تلقيت بالحزن والأسى خبر رحيل رجل العلم والأخلاق، أستاذنا وصاحب الفضل علينا، مثال التقى والنقاء والتواضع والصفاء، العالم العامل، سماحة الشيخ صادق المقيلي (أعلى الله درجته).
لقد حضرتُ عند هذا الشيخ الجليل في بداية دراستي الحوزوية قرابة العامين، فوجدت مجلسه آنذاك أشبه بالحوزة المصغرة، حيث كان يقوم فيه بتدريس دروس متلاحقة، لا ينتهي من أحدها إلا إلى الآخر، وكان يجتمع عنده فيها مجموعة من ناشئة الخطباء وطلبة العلم والشباب المؤمنين، وإني لأتذكره الآن فأتذكر قول الإمام الصادق (عليه السلام): (مَن تعلم العلم وعمل به وعلَّمَ لله دُعي في ملكوت السماوات عظيمًا).
كما وجدته – حين اقتربتُ منه – مصداقًا جليًّا للحديث الشريف: (الخلق عيال الله، وأحبُّ خلقه إليه أنفعهم لعياله)، فلقد كان شعلة من النشاط في خدمة مجتمعه، يصلي على الجنائز، ويعقد عقود النكاح، ويقرأ فواتح المؤمنين، ويصلح ذات بينهم، ويعين فقراءهم ومساكينهم، بالإضافة إلى إمامته لهم في الأوقات الثلاثة، وخدمته للمنبر الحسيني الشريف طوال الأسبوع، فضلًا عن المواسم المشهودة، وكل ذلك مع نكران الذات، وترابية النفس، ولين الجناح، ودماثة الأخلاق، وبساطة التعامل، وهدوء الروح.
ولا زلت أتذكره حين تبنّى فكرة مهرجان (الزواج الجماعي)؛ إذ أصبح مجلسه حينها أشبه بخليّة النحل في ذروة نشاطها، حيث كان يتم فيه التخطيط وتُعقد فيه الاجتماعات، وقد نجح ذلك المشروع – الذي تكفله (رضوان الله عليه) بمؤزارة جمع من المؤمنين – في تزويج العشرات أو المئات من المؤمنين؛ إذ كان ذلك المهرجان من أكبر المهرجانات على مستوى المنطقة.
وإلى جانب ذلك كان الشيخ الراحل قطعة من الإيمان، ومظهرًا من مظاهر الأخلاق، فقد جمع بين العلم والعمل، فكان بحق أنموذجًا للسلف الصالح في سمته وسلوكه وتفانيه في خدمة أيتام آل محمد (عليهم السلام) بعلمه وعمله.
ولقد عزَّ علينا رحيله في هذا الوقت الصعب، فإنَّ وجود أمثاله من القدوات الإيمانية خير وبركة على المجتمعات، فإذا ماتوا ارتفعت بموتهم البركات والخيرات، وهو مما نلمس آثاره الظاهرة بمنتهى الأسف والألم، ولكنّ الأمر لله تعالى من قبل ومن بعد.
وبهذه المناسبة المؤلمة أرفع خالص عزائي لمشائخ البلاد وفضلاء حوزتها وكافة طلبة العلم وخطباء المنبر فيها، وأخص أسرته الكريمة بوافر العزاء وخالص المواساة، وأسأل الله تعالى لهم جميل الصبر وجزيل الأجر، ولشيخنا الأستاذ واسع المغفرة وعلو الدرجة في جنان الخلد عند النبي وآله (عليهم السلام)، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
ضياء الخباز
الخميس ١٧ / ١١ / ١٤٤٦هـ
عظم الله لكم الأجر
ورحم الله الشيخ