بسم الله الرحمن الرحيم
ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء).
تلقّيت بالحزن والأسى خبر رحيل العالم العامل، سيد علماء الشام، سماحة آية الله، السيد علي مكي العاملي (أعلى الله مقامه الشريف)، الذي كان ركنًا من أركان الطائفة في دمشق الشام على مدى عقود متتالية، وملاذًا لأيتام آل محمد (عليهم السلام)، به يلوذون وإليه يلجؤون وعنه يأخذون ومنه ينهلون، لما كان يتمتّع به من كمال العلم ونقاء السيرة وحصافة الرأي وجمال الأخلاق وعظيم التقوى.
كما كان (أعلى الله درجاته) حصنًا عاليًا من حصون الدين، وسيفًا مشهورًا من سيوف الحقّ، لم يهادن ولم يساوم، ولم تأخذه في الله لومة لائم، وله في ذلك مواقف مشهودة ومحمودة يعرفها كلُّ متابع للساحة الشيعية.
وإلى جانب ما اضطلع به من المسؤولياتِ الجسام في سبيل خدمة أيتام آل محمّد (عليهم السلام) والقيام بشؤونهم، فقد كان مدرّسًا حوزويًا قديرًا، تتلمذ على يده كوكبة من العلماء والفضلاء، كما كان صاحب يراع ثرٍّ كثير العطاء، أتحف من خلاله المكتبة الشيعيّة بمؤلفاتٍ جليلة نافعة، ويأتي في طليعة مؤلّفاته القيّمة: (شرح دعاء أبي حمزة) و(تأمّلات في دعاء كميل) و(تأمّلات في دعاء عرفة والمناجاة الخمسة عشرة) و(معتقدات الشيعة)، وكتابه المبتكر: (مدرسة الدعاء) الذي سعى فيه لإثبات منظومة المعتقدات الحقّة من الأدعية الشريفة، وهو منهجٌ معرفيٌّ مهمٌّ لم أعرف مَن سبقه إليه بنحوٍ مستوعبٍ وشاملٍ.
ولقد تشرّفتُ في بدايات دراستي الحوزويّة بالحضور بضعة أسابيع -صبيحة كلّ خميس- في جلسته الروحية ودرسه الأخلاقي الذي كان يعقده بمنزله في حيّ الأمين، فوجدتُه أبًا حانيًا، وموجّهًا ناصحًا، ومربّيًا فاضلًا، وكانت كلماته الصادقة -النابعة من طُهر قلبه، وكمال إخلاصه- تعانق قلوبنا، وتهزّ مشاعرنا وأحاسيسنا، فما كنّا نخرج من مجلسه الشريف إلا وقد قرَّبنا من الله تعالى، وحفَّزنا على المثابرة في طلب العلم وتهذيب الأخلاق، وهكذا هم العلماء الربَّانيّون.
وإنني بمناسبة فقده المؤسف أرفع أحرّ التعازي لإمام العصر والزمان المهدي بن الحسن (أرواحنا فداه)، ولمراجعنا العظام وعلمائنا الأعلام (دامت بركاتهم)، ولأسرته الكريمة، لا سيّما لنجله الكريم سيّدنا العلامة السيد حسن وأصهاره الأجلّاء (حفظهم الله)، سائلًا من الله تعالى لهم الصبر الجميل والأجر الجزيل، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
ضياء الخباز
الأحد ٩ / ٤ / ١٤٤٦هـ