السيد الرجائي، فقيهٌ يترجّلُ بصمتٍ

في بدايات هجرتي إلى (قم المشرفة) سألتُ المرجع الكبير السيد الروحاني (قُدّس سره) عن حضور السيد الشهيد الصدر (طاب ثراه) لديه، وعمّن زامله في حضوره؟ فذكر لي عدّة أسماء، منهم: السيد محمد الإصفهاني! فسألته: ومَن يكون هذا؟ فقال: يُعرف بـ(الرجائي)، وبعدها بمدة تشرفتُ بزيارة هذا السيد الجليل وسألته عن مزاملتهِ للسيد الشهيد، هل كانت في دروس السطح العالي أم في أبحاث الخارج؟ فأجابني بأنها كانت في أبحاث الخارج.

وأخالك ستسألني الآن: ومن يكون السيّد الرجائي؟ إنه فقيهٌ من الطراز الرفيع، تتلمذ على يد أعاظم الفقهاء – كالسيد عبد الهادي الشيرازي والسيد الخوئي (قدهما) – وتخرّج من جامعة العلم الكبرى، ثمّ استقرّ في قم المقدسة أستاذًا قديرًا وفقيهًا جليلًا، ولكنه – لشدة زهده وورعه وتقواه – اختار أن يبقى في دائرة الظلّ بعيدًا عن صخب الشهرة وبريق الظهور، فكان يجتمع عنده في منزلهِ المتواضع مجموعة من الفضلاء، ويلقي عليهم دروسًا في الفقه والأصول والتفسير، وكان في كلّ ذلك مجتهدًا محققًا لا يُشقّ له غبار.

وقد تخرّج من درسهِ مجموعة من الفضلاء والعلماء الأفذاذ، وفي طليعتهم شيخ بلادنا وعالمها، العلامة الحجّة، الشيخ حسين العمران (دامت بركاته)، فقد حضر لديه – كما سمعتُ منه – كتاب المكاسب بأقسامه الثلاثة، وخارج كتاب الخمس.

ورغم كلّ ما كان عليه السيد الرجائي (طاب ثراه) من جليل المقام، إلا أنه كان في منتهى التواضع والنكران للذات، فمتى ما زرته استقبلك وودعك بنفسه، وجلس معك وملؤه التواضع والحياء، ولا تخرج من مجلسهِ إلا وقد أثرى فكرك بغزير علمه، وغذّى قلبك بطهر روحه.

وقد رحل في يوم الأربعين إلى جوار ربه، ولحقت روحه الطاهرة بالركب الحسيني، تاركًا وراءه نتاجًا علميًا ثريًّا في الفقه والأصول والكلام، وحسبك من مؤلفاته كتابه البديع المبتكر (المنهج القويم في إثبات الإمامة من الذكر الحكيم).

وفي الختام أقول: إنَّ فقد مثل هذا العظيم في هذه المرحلة الزمنية البائسة -التي تهاوت فيها نجوم العلم، وكثر فيها أدعياء الفقاهة والاجتهاد- ليُعَدُّ خسارةً كبرى يصعب تعويضها على المدى القريب، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

ضياء السيد عدنان الخباز
1443/2/20هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *