بسم الله الرحمن الرحيم
( إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة، لا يسدها شيء إلى يوم القيامة ) .
بمزيدٍ من الألم والمصاب ودّعت الحوزةُ العلمية هذا اليوم علماً من أعلامها ، وأستاذاً من أساتذتها ، وفارساً من فرسانها ، ألا وهو الأستاذ الجليل ، سماحة آية الله ، العلامة الحجة ، السيد حسن النبوي المازندراني ( قدّس الله نفسه وأعلى مقامه ) .
لقد عرفتُ هذا السيّد الجليل منذ قرابة أربع وعشرين سنة ، وكان حينها ممّن يُشار إليه بالبنان ، كأحد أبرز تلامذة العلمين الكبيرين : السيد محمد الروحاني ، والسيد تقي القمي ( قدّس الله نفسيهما ) ، وأحد المعتمدين لديهما في الجلسات الفقهية والفتوائية الخاصة ، بل كان أحد حواريي سيدنا القمي وملازميه في الحضر والسفر .
وحين أردتُ أن أتشرف بالحضور لديه كتاب البيع من المكاسب – بإشارةٍ من بعض الأعلام الأجلاء – سألَ أحدُ زملائي المرجعَ المقدّس السيّد الروحاني ( أعلى الله درجته ) عن أهلية السيد النبوي لتدريس كتاب البيع ، والذي يُعدّ من أرقى المتون الحوزوية وأعضلها ، فقال له : ( إنّ السيد النبوي ليس مؤهلاً لتدريس كتاب البيع فحسب ، بل هو مؤهل لتدريس البحث الخارج ) ، وهذه الشهادة من مثل المحقق الروحاني تعدُّ شهادة بالغة الأهمية ، وهي تشير إلى عظمة المقام العلمي لسيدنا الأستاذ الراحل ( طيّب الله مثواه ) .
وقد تشرفتُ بالحضور لديه فوجدته ذلك العلَم المدقق ، والأستاذ المثابر ، والشفيق الودود ، ولا زلت أتذكر كلامه وهو يقول : إني أحضّرُ لدرسكم في ثلاث مراحل : الأولى مطالعة الدرس والتدقيق فيه ، والثانية كيفية ترتيبه وبيانه ، والثالثة كيفية تحويله من اللغة الفارسية إلى العربية .
وكان في درسه الشريف ينثر أحياناً – إذا اقتضت المناسبة – نكات علمية لثلاثةٍ من الأعلام : السيد علي الفاني الإصفهاني ، والسيد محمد الروحاني ، والسيد تقي القمي ( قدّس الله أسرارهم ) ، وكان يقول : لقد حضرتُ لديهم جميعاً الأبحاث العالية على كتاب البيع ، وانتهلتُ من مدارسهم ، وهذا ممّا يدل على علوّ همته ، وعظيم نشاطه ، وحبّه الكبير للعلم ، وبذله لنفسه في سبيله ، وقد سألته ذات مرة عن مدّة حضوره لدى السيد التقي القمي ، فقال : لقد ناهزت العشرين عاماً ، على أنه لم ينقطع عن الحضور لديه بعدها ، بل بقي ملازماً له إلى آخر عمره .
وكان ( أعلى الله مقامه ) إلى جانب ذلك من أهل العفاف والطاعة ، وذا أدبٍ عالٍ وخُلق رفيع ، كما كان شديد الولاء والمحبة لأجداده الطاهرين ( عليهم السلام ) ، فرحمه الله أستاذاً جليلاً ، وعالماً كبيراً ، وإنّ خسارة الحوزة بفقده لجليلة وكبيرة ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
ضياء السيد عدنان الخباز
القطيف المحروسة
الجمعة الأخيرة من شهر شوال ، سنة 1441 هـ
لا حول ولا قوة الا بالله
اللهم ارحمه برحمتك الواسعة وأسكنه من جناتك فسيحها..
وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان إنك حنآن منان