تاريخ المحاضرة: 02/07/1441
محور البحث: تأملات ووقفات في تحليل الدعاء الرجبي: “اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب”.
نقاط البحث:
- ما هو الهدف الذي سيق من أجله هذا الدعاء؟
- ما هو الوجه في وصف الإمامين (ع) بـ”المولودين في رجب”؟
- لماذا اختصّ الدعاء بالإمامين الجواد والهادي (ع) دون أمير المؤمنين (ع) والإمام الباقر (ع)؟
التسجيل الصوتي:
تنزيل التسجيل الصوتي: التوسل بالإمام الهادي (ع) مرقاة العروج الرجبي
اليوتيوب:
1- تسجيل مجلس موسى بن جعفر (ع) بالجارودية:
2- تسجيل حسينية الإمام المجتبى (ع) بأم الحمام:
شبكة الضياء > مكتبة المحاضرات > مناسبات متفرّقة > أفراح آل محمّد
التوسل بالامام الهادي ع مرقاة العروج الرجبي
ورد في الدعاء المبارك عن امامنا وسيدنا صاحب العصر والزمان ارواحنا له الفداء:(اللهم إني اسالك بالمولودين في رجب محمد بن علي الثاني وعلي بن محمد المنتجب واتقرب بهما اليك خير القرب..)
هذا المقطع الشريف رواه مع تتمته شيخنا شيخ الطائفة الطوسي اعلى الله مقامه الشريف في كتابه المصباح عن ابن عياش بسنده عن الحسين بن روح السفير الثالث لإمامنا الحجة ارواحنا فداه عن امامنا الحجة بن الحسن عليه السلام.
عندما نقرا هذا الدعاء في شهر رجب المبارك في مثل هذه الايام، هناك سؤال ينبعث من هذا الدعاء وهو ما هو الهدف الذي سيق من اجله هذا الدعاء، وإذا فهمنا الهدف فهنالك اسئلة اخرى تتفرع من هذا السؤال نجيب عنها لاحقًا
اولا: ما هو الهدف الذي سيق من اجله هذا الدعاء؟
نحتاج في الجواب الى مقدمتين:
الاولى: هي ان شهر رجب الأصب موسم من مواسم العروج الى الله و موسم من مواسم الطاعة و موسم من مواسم العبادة فقد ورد في الرواية عن النبي ص: (ان لله ملكًا في السماء السابعة اسمه الداعي؛( و لعله سمي بذلك لدعوته للناس)، فاذا دخل شهر رجب نادى في كل ليلة الى الصباح طوبى للذاكرين طوبى للطائعين فان الله عز و جل يقول انا جليس من جالسني و انا مطيع من اطاعني و انا غافر من استغفرني، الشهر شهري و العبد عبدي و الرحمة رحمتي، فمن دعاني اجبته ،ومن سألني اجبته، و من استهداني هديته و قد جعلت هذا الشهر حبلًا بيني وبين عبادي فمن اعتصم به وصل الي)، هذه الرواية تبين ان في شهر رجب توجه دعوة للإنسان من اجل العروج الى الله و عبادة الله تعالى و طاعته، لذك حتى العبادات في شهر رجب جعلت لها خصوصية ليست على وزن العبادة في بقية الشهور، فالنبي ص عندما يتحدث عن الصوم في شهر رجب يقول ص من صام يوما من ايام رجب ايمانا و احتسابا فقد استوجب رضوان الله الأكبر.
كذلك العمرة في شهر رجب، فقد ورد عنه ص: ان العمرة في شهر رجب تلي فضل الحج، وكذلك الصلاة لها ثواب خاص، والاستغفار له ثواب خاص، فشهر رجب شهر العروج الى الله وشهر العودة الى الله، وشهر عبادته وطاعته، والدعوة في الرواية دعوة من الله في شهر رجب لكي يقترب منه، انا جليس من جالسني وانا مطيع من اطاعني، والشهر شهري والعبد عبدي والرحمة رحمتي فمن دعاني اجبته، فأي دعوة مفتوحة للقرب الى الله كهذه الدعوة التي يوجهها الله للإنسان، في شهر رجب المبارك
السؤال: كيف يستطيع الانسان ان يقترب من الله؟ فهناك قربات متنوعة، العمرة قربة، الصلاة قربة، الصيام قربة الاستغفار قربة ولكن الدعاء الرجبي يبين ان هنالك قربة لا يمكن الى الوصول الى الله والعروج اليه الا بواسطتها
القرب جمع قربة، فالقربة تُجمع قربات او قرب، فحينما تقول اصلي قربة لله، اي ما يتقرب به فهو قربة فاصلي لأن الصلاة مما يتقرب بها و الصيام مما يتقرب به ؛ فالدعاء هنا يقول ان هنالك صيام قربة و صلاة قربة و دعاء قربة لكن هنالك قربة هي افضل القرب و خير القرب وهي التوسل بإمامنا الهادي ع ، فإذا اردت التقرب الى الله في شهر رجب فمرقاة العروج وافضل القرب بوابة امامنا الهادي و ابيه الامام الجواد ع ، فالهدف الذي سيق من اجله هذا الدعاء ، بيان ان التوسل بالإمام الهادي و بابيه الجواد مرقاة العروج الرجبي فالعمرة و الصلاة و الصيام يتقرب العبد بهما قربة تامة اذا توسل بالإمامين الجواد والهادي عليهما السلام.
يتفرع من هذا التوضيح سؤالان، السؤال الاول: لماذا وصف الدعاء الامامين الجواد والهادي بالمولودين في رجب ولم يقل مثلا بالإمامين العظيمين، لماذا وصفهما بالمولودين في رجب تحديدًا؟
الاجابة تقع في احتمالات
الاول: هو ان هذا الدعاء قد جاء بهذا الوصف من اجل توثيق تاريخ ولادة الامامين ع في شهر رجب، صحيح ان الشارع المقدس ليس مؤرخا حتى يهتم بقضايا التاريخ، لكن سبب اختيار هذا العنوان هنا ، هو ان القضايا التاريخية التي لا يترتب عليها اثر شرعي فالشارع المقدس ليس من شانه ان يتبعها، لكن القضايا التاريخية التي يترتب عليها اثر شرعي ، فمن شأن الشارع ان يهتم بها و ان يوثقها، فالرواية تقول (شيعتنا يفرحون لفرحنا و يحزنون لحزننا)، فيستحب الفرح لفرحهم وهذا اثر شرعي يترتب على معرفة تاريخ ولادتهم من اجل احياء الفرح لفرحهم ، وهذه قضية يترتب عليها اثر شرعي لذلك اهتم الشارع لها و وثقها و اثبت ان الامامين قد ولدا في شهر رجب.
الثاني: هو ان الدعاء قد اراد ان يبين عظمة شهر رجب، فالزمان انما يكتسب الشرف و العظمة والمكانة من خلال الأحداث الواقعة فيه، فالحدث هو الذي يوجب للزمان عظمة و شرافة وخصوصية، و لا شك ان ولادة الامامين الجواد و الهادي في شهر رجب قد اعطت شهر رجب ذلك، فاراد الدعاء ان يبين عظمة شهر رجب، بولادة الامامين ع، بل تترشح تلك الشرافة و البركة و العظمة على كل من اقترن بذلك الزمان ، فالبركة التي تعطيها بركة اهل البيت للأزمنة تتجاوز الازمنة الى من يعيش في تلك الازمنة ، فعلى سبيل المثال قد ورد في الروايات ان كل من ولد في ليلة ولادة الامام المهدي ع يكون مباركا و لو ولد في بلاد الكفر، بل قد يستبصر ويسلم و يتشيع بفضل بركة نالته من خلال ان يكون مولده ليلة مولد الحجة ع، اذن الزمان يكتسب بركة و عظمة من الاحداث المباركة التي تقع فيه، فاراد الدعاء بهذه العبارة ان يبين منشأ عظمة شهر رجب وأن واحدا من مناشئها ولادة الامامين المباركين في هذا الشهر المبارك.
الجواب الثالث: ان الدعاء بصدد بيان عظمة الامامين الجواد والهادي لانهما ولدا في شهر رجب، فهو شهر الله وشهر امير المؤمنين والامامان ولدا في هذا الشهر وهذا منبه على عظمتهما، فالأشهر تكتسب بركة من الاحداث التي تقع فيها، يعني شهر رجب انما صار مباركا بولادة الامامين فيه، لا بمعنى انه اعطاهما عظمة بذلك، وانما كشف عن عظمتهما، لان ولادتهما في هذا الشهر المبارك تدل على خصوصية لهما، فأمير المؤمنين من خصوصياته انه ولد في الكعبة المشرفة، فهل علي تشرف بالكعبة ام الكعبة تشرفت بعلي؟ الكعبة هي من تشرفت بعلي ولكن لان الكعبة مكان مبارك فولادة علي فيها كشفت عن عظمة علي، فهي المكان المبارك وان كانت الكعبة قد اكتسبت الشرف من ولادته فيها، كذلك ولادة الامامين ع، في شهر رجب، كشفت عن عظمتهما وان كان الشهر قد اكتسب الشرف من ولادتهما فيه، وعليه يكون الامام في الدعاء قد جاء بوصف المولودين في رجب لأجل توثيق التاريخ، اولأجل بيان عظمة شهر رجب او للكشف عن عظمة الامامين، وكل هذه الاجوبة محتملة
التساؤل الثاني: لماذا خصص الدعاء الامامين بالذكر؟ فالإمام الباقر مولود في رجب وكذلك امير المؤمنين وهو أعظم وأفضل من الامام الجواد والامام الهادي ع، مولود في شهر رجب، ومع ذلك فالدعاء خصهما بالذكر باسمهما، فلم خصصهما دون غيرهما؟
خصصهما لأجل خصوصية لهما، فكما ان الايام خصصت كل يوم الى معصوم معين، فيوم السبت يختص برسول الله ص، و يوم الاحد يختص بأمير المؤمنين و بالصديقة الطاهرة ع، و يوم الاثنين، يختص بالحسن و الحسين، و كما ان الساعات ايضا تختص بأحد المعصومين، كذلك الاشهر مقسمة و مختصة بأحد المعصومين و شهر رجب قد اختص بالإمامين الجواد و الهادي للتوسل بهما صلوات الله عليهما، صحيح اننا لا نعلم ما هذه الخصوصية كما انا لا نعلم خصوصية يوم الجمعة الى صاحب العصر و الزمان و الخصوصية في بقية الأيام. والذي يأكد على هذه الخصوصية امران:
الاول: استحباب التوسل بهما في كل يوم في رجب، فهذا الدعاء يستحب الدعاء به في كل يوم من ايام رجب، حتى في يوم ولادة الامام الباقر او الامام امير المؤمنين، ويوم المبعث ويوم الاسراء والمعراج، فشهر رجب يعود لهنا ويختص بهما وباب التوسل عن طريقهما وباب العروج الى الله من بوابتهما.
الثاني: الدعاء يذكر كلمة تصف الامام الهادي بال(المنتجب) و هي اسم مفعول من الإنتجاب، بمعنى الاستخلاص، فالانتجاب هو اختيار و استخلاص شيء معين من بين مجموعة الى وظيفة او امر معين، فمن بين النساء يتزوج الرجل امرأة يتزوجها فيقال استخلصها و انتجبها للزواج، و المرأة يقال منتجبة، و الدعاء عبر عن الامام الهادي بالمنتجب، لأن الله قد انتجبه لكي يتوسل به في شهر رجب و لا يتحقق العروج الى الله الا بالتوسل به، و عليه يكون الامام الهادي مرقاة العروج الرجبي الى جانب ابيه الجواد عليهما السلام.
ثبتنا الله على ولايتهما و البراءة من اعدائهما و لا فرق الله بيننا و بينهما طرفة عين ابدًا.